قال عروة: "فوجه إليه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المري في جيش أهل الشام وأمره بقتال أهل المدينة فإذا فرغ من ذلك سار إلى مكة. قال: فدخل مسلم بن عقبة المدينة وهرب منه يومئذ بقايا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبث فيها وأسرف في القتل ثم خرج منها فلما كان ببعض الطريق مات". وسبق أن ذكرنا تعليق الهيثمي على إسناد هذه الرواية في مجمع الزوائد وتعقيبنا على كلام الإمام الهيثمي هناك. ولنا عند هذا الجزء من متن الرواية وقفة: أما قوله: "وهرب منه يومئذٍ بقايا أصحاب رسول الله". ففيها غرابة لأن من بين أسماء القتلى عدد من الصحابة من المهاجرين والأنصار أي أن القتل استحر بالجميع صحابة وتابعين. علمًا بأن الإمام الحاكم أخرج هذه الرواية بهذا اللفظ كذلك موجزًا [المستدرك (٥/ ٥٤٩)] وسكت عنه. بينما ذكر الحافظ ابن حجر هذه الرواية ونسبها إلى الطبراني بلفظ: "فدخل مسلم بن عقبة المدينة وبها بقايا من الصحابة فأسرف في القتل ثم سار إلى مكة فمات ببعض الطريق". [الفتح (/ ٥٧٦)]. وكذلك أخرج الفاكهي في أخبار مكة رواية عروة الآنفة الذكر وليس فيها عبارة: "وهرب منه بقايا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ولعلّ العبارة تصحيف من بعض الرواة إلَّا أن يكون المعنى أن عددًا من الصحابة اعتزلوا الفريقين المتصارعين كأبي سعيد الخدري وغير واحد منهم فلما دخل مسرف بن عقبة المدينة تركوها كي لا ينالهم بطش ذلك المسرف وإلَّا فالصحابة الذين برزوا للقتال قتلوا هنالك ولم يتركوا ساحة المعركة وشجاعة الصحابة معروفة. أما قول الراوي: "وأسرف في القتل". فصحيح. إلَّا أننا لم نجد رواية تاريخية صحيحة تؤكد أن يزيد بن معاوية أمر باستحلال المدينة لثلاثة أيام أو أن جيش الشام استحل المدينة لثلاثة أيام، ولعل الجيش استحل المدينة لثلاثة أيام كتصرف فردي من قائد الجيش، ولا نستطيع أن نثبت هذا الاستحلال. والحق يقال: فإن الطرفين قد استماتا في القتال فكانت تلك الاستماتة سببًا في وقوع ذلك العدد من القتلى، ونحن لا نقول ما نقول بناءً على الظن والحدس والتخمين بل إن الرواية التاريخية الصحيحة تؤكد أن عددًا من أهل المدينة بايعوا عبد الله ابن غسيل الملائكة على الموت وكان يومها أميرًا على الأنصار، وعبد الله بن مطيع الأمير على من سواهم. [وانظر الفتح (٦/ ٢٢٠)]. فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عبادة بن تميم قال: "لما كان يوم الحرة والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة فقال ابن زيد: على ما يبايع ابن حنظلة الناس؟ قيل له: على الموت قال: =