للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليّ، فقال: أمّا والله إني لأعرف سوءَ رأي كان في قومك؛ قال: فوقفتُ له، فأردفتُه على بغلتي -وذلك ليلًا- فأخذتُ علي بني سُلَيم، فقال: مَن هؤلاء؟ قلت: بنو سُلَيم؛ قال: سَلِمنا إن شاء الله؛ ثم مَرَرْنا ببني ناجية وهم جُلوسٌ ومعهم السلاح -وكان الناس يتحارَسون إذ ذاك في مجالسهم- فقالوا: مَن هذا؟ قلت: الحارث بن قيس، قالوا: امضِ راشِدًا، فلما مضينا قال رجل منهم: هذا والله ابن مرْجانة خلفه، فرماه بسهم، فوضعه في كُورِ عمامته، فقال: يا أبا محمد، مَن هؤلاء؟ قال: الذين كنت تزعم أنهم من قريش، هؤلاء بنو ناجية؛ قال: نَجوْنا إن شاء الله، ثمّ قال: يا حارث، إنك قد أحسنت وأجملت، فهل أنت صانع ما أشير عليك؟ قد علمتَ منزلةَ مسعود بن عمرو في قومه وشَرَفَه وسنَّه وطاعةَ قومه له، فهل لك أن تذهب بي إليه فأكون في داره، فهي وسط الأزد، فإنك إن لم تفعل صدع عليك أمر قومِك؛ قلت: نعم؛ فانطلقتُ به، فما شعر مسعودٌ بشيء حتى دخلنا عليه وهو جالسٌ ليلتئذٍ يوقِد بقضيب على لبنةٍ، وهو يعالج خُفَّيه قد خلع أحدَهما وبقي الآخر، فلما نظر في وجوهِنا عرفَنا وقال: إنه كان يُتَعَوَّذُ من طوارق السوء، فقلتُ له: أفتُخْرِجه بعدما دخل عليك بيتَك! قال: فأمره فدخل بيت عبد الغافر بن مسعود -وامرأة عبد الغافر يومئذ خَيرةُ بنت خُفاف بن عمرو- قال: ثمّ رَكِبَ مسعود من ليلته ومعه الحارث وجماعة مِن قومه، فطافوا في الأزد ومجالسِهم، فقالوا: إنّ ابن زياد قد فُقِدَ، وإنا لا نأمن أن تلطّخوا به، فأصبحوا في السلاح، وفقد الناس ابن زياد فقالوا: أين توجّه؟ فقالوا: ما هو إلا في الأزد (١). [٥: ٥١٠ - ٥١١].

قال وهب: حدَّثنا الزبير بن الخرِّيت، عن أبي لبيد، أنّ أهل البصرة اجتمعوا فقلدوا أمرَهم النعمان بن صُهْبان الراسبيّ ورجلًا من مضرَ ليختارا لهم رجلًا


(١) قلنا: ورجال إسناد الطبري هذا بين الثقة والصدوق، وأبو لبيد الجهضمي صدوق ناصبي، وقد قبلنا روايته هنا لأنها ليست من باب الانتصار لمذهب الناصبية؛ والله أعلم.
والخبر أخرجه البلاذري مختصرًا من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقي عن وهب به. [أنساب الأشراف (٤/ ٤٢٠)].
ويمضي الطبري في رسم الأحداث المتسارعة في البصرة بعد اضطراب الأمور فيروي بالإسناد نفسه عن أبي لبيد وهو شاهد على تلك الأحداث. =

<<  <  ج: ص:  >  >>