وقبل أن نذكر خلاصة الذهبي نودّ أن نذكر حديثًا ورد في هذه المسألة التاريخية [والحديث جزء من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام]. فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه [كتاب فضائل الصحابة / باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها / ح ٢٥٤٥] وفي آخر الحديث قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أما إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثنا "أن في ثقيف كذابًا ومبيرًا) فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا إخالك إلا إياه". قال النووي -في شرح حديث أسماء هذا-: وقولها في الكذاب: (فرأيناه) تعني به المختار بن أبي عبيد الثقفي كان شديد الكذب ادَّعى أن جبريل يأتيه، واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد وبالمبير الحجاج بن يوسف. [شرح صحيح مسلم (١٦/ ١٠٠)]. وأخرج أحمد في مسنده بسند حسن عن رفاعة قال: دخلت على المختار فألقى لي وسادة وقال: لولا أن جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، فأردت أن أضرب عنقه ... إلخ. [مسند أحمد (٥/ ٢٢٣)]. والحديث أخرجه البلاذري أيضًا عن رفاعة بن شداد. [أنساب الأشراف (١/ ٢٣٣)]. قال الإمام الذهبي -رحمه الله تعالى- في خلاصته: ونشأ المختار فكان من كبراء ثقيف وذوي الرأي والفصاحة والشجاعة والدهاء وقلّة الدين وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يكون في ثقيف كذاب ومبير" فكان الكذاب هذا ادَّعى أن الوحي يأتيه وأنه يعلم الغيب وكان المبير الحجاج قبَّحهما الله. [مختصر سير أعلام النبلاء (٣/ ٥٣٩ / تر ١٤٤)]. وقال الذهبي أيضًا: وكان المختار قد سار من الطائف بعد مصرع الحسين إلى مكة، فأتى ابن الزبير، وكان قد طُرِدَ لِشَرِّه إلى الطائف فأظهر المناصحة، وتردد إلى ابن الحنفية، فكانوا يسمعون منه ما يُنكر. فلما مات يزيد، استأذن ابن الزبير في الرواح إلى العراق، فركن إليه، وأذن له، وكتب إلى نائبه بالعراق عبد الله بن مطيع يوصيه به، فكان يختلف إلى ابن مطيع، ثم أخذ يعيب في الباطن ابن الزبير، ويثني على ابن الحنفية، ويدعو إليه، وأخذ يشغب على ابن مطيع، ويمكر ويكذب، فاستغوى جماعةً، والتفت عليه الشيعة، فخافه ابن مطيع، وفرّ من الكوفة، وتمكن هو، ودعا ابن الزبير إلى مبايعة محمد بن الحنفية، فأبى، فحصره، وضيق عليه، وتوعًده، فتألمت الشيعة له، ورد المختار إلى مكة، ثم بعث معه ابن الزبير إبراهيم بن محمد بن طلحة على خراج الكوفة، فقدم المختار وقد هاجت الشيعة للطلب بالثأر، وعليهم سيمان بن صُرد، فأخذ المختارُ يفسدهم، ويقول: إني جئت من قبل المهدي ابن الوصي، يريد ابن الحنفية، فتبعه خلق، وقال: إن سيمان =