خالدًا خرج من عند ابن أصمع يركُض، عليه قميص قُوهيّ رقيق، قد حَسَره عن فخذيه، وأخرَج رجليه من الرّكابين؛ حتى أتى مالكًا، فقال: إني قد اضطررتُ إليك، فأجرْني، قال: نعم، وخرج هو وابنه، وأرسل إلى بكْر بن وائل والأزد؛ فكانت أوّل راية أتته رايةُ بني يشكرُ. وأقبل عبَّاد في الخيل، فتواقَفُوا، ولم يكن بينهم، فلما كان من الغد غدوْا إلى حُفرة نافع بن الحارث التي نُسبت بعدُ إلى خالد، ومع خالد رجال من بني تميم قد أتوْه؛ منهم صعصعة بن معاوية، وعبد العزيز بن بشْر، ومرّة بن مِحْكَان، في عدد منهم؛ وكان أصحاب خالد جُفريَّة ينسبون إلى الجُفْرة، وأصحاب ابن معمر زُبَيريَّة، فكان من الجُفْريَّة عبيد الله بن أبي بَكْرة وحُمْران والمغيرة بن المهلّب، ومن الزبيريّة قيس بن الهيثم السُّلَميّ، وكان يستأجر الرجل يقاتلون معه، فتقاضاه رجل أجرةً فقال: غدًا أعطيكها، فقال غَطَفان بن أنيف، أحد بني كعب بن عمرو:
لِبئس ما حكَمت ياجلاجِلُ ... النَّقْدُ دَينٌ والطِّعانُ عاجِلُ
وأنْتَ بالبابِ سميرٌ آجِلُ
وكان قيس يعلّق في عنق فرسه جلاجل، وكان على خيل بني حنظلة عمرو بن وبرة القحيفيّ، وكان له عبيد يؤاجرهم بثلاثين ثلاثين كلّ يوم، فيعطيهم عشرة عشرة، فقيل له:
لبئس ما حكمت يابنَ وَبرَة ... تُعطَى ثلاثينَ وتُعْطِي عَشَرهْ
ووجَّه المصعب زَحْر بن قيس الجُعْفيّ مَددًا لابن معمَر في ألف، ووجَّه عبدُ الملك عبيد الله بنَ زياد بن ظَبْيانَ مددًا لخالد، فكَره، أن يدخلَ البَصرة، وأرسل مطرَ بنَ التّوأم فرجع إليه فأخبره بتفرّق الناس، فَلحق بعبد الملك (١). (٦/ ١٥٢ - ١٥٣).
قال أبو زيد: "قال أبو الحسن: حدّثني مسلمة أنّ المُصعَب لمَّا انصَرف عبدُ الملك إلى دمَشق لم يكن له همَّة إلّا البصرة، وطَمِع أن يُدرك بها خالدًا، فوجده قد خرج، وأمّن ابنُ مَعمر النَّاس، فأقام أكثرهم، وخاف بعضهم مُصعَبًا
(١) هذا إسناد مرسل متعدد المخارج، ولذا ذكرنا الرواية في قسم الصحيح.