وأخرج مسلم أيضًا في صحيحه / كتاب الحج (ح ٤٠٤/ ١٣٣٣). عن أبي قزعة، أن عبد الملك بن مروان، بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل الله ابن الزبير، حيث يكذب على أم المؤمنين، يقول: سمعتها تقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عائشة، لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر، فإن قومك قصروا في البناء"، فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا. قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه، لتركته على ما بينى ابن الزبير. اهـ. قلنا: ولهذه الرواية الصحيحة دلالات نودُّ أن نقف عندها قليلًا: ١ - كان ابن الزبير رضي الله عنه وقافًا عند كتاب الله متبعًا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بذلك صاحب مبادئ لا كما اتهمه الأستاذ الشلبي عفا الله عنه وكان واعيًا لمقاصد الشرع إذ قال رضي الله عنه: ، فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس". أي: أن الناس ليسوا بحديثي عهد بالجاهلية كما كانوا قبل ذلك بعقودٍ من الزمن. ٢ - لم يكن عبد الملك صاحب تلك الصورة السيئة التي رسمتها روايات الضعفاء والمجاهيل من أنه ترك المصحف منذ أن تولى الحكم والدليل على ذلك قوله في رواية مسلم: "لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بينى ابن الزبير". ونحن نرى -والله أعلم- من خلال دراستنا للروايات التاريخية الصحيحة أن عبد الملك لم يكن تواقًا إلى القتال ولم يكن يحب سفك الدماء، إنما اضطر لذلك (حسب اعتقاده) لاستتباب الأمن والحفاظ على وحدة الأمهْ ولقد كان أبوه من قبل (مروان) قد أمر جنوده بعدم ملاحقة الهاربين من جيش الضحاك بعد خسارتهم في المعركة. وقد روى جرير بن حازم، عن نافع قال: ، لقد رأيت المدينة وما بها شاب أشد تشميرًا ولا أفقه ولا أنسك ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان". [ابن سعد (٥/ ٢٣٤)، تاريخ بغداد (١٠/ ٣٨٩)، الذهبي (٣/ ١٣٩ و ١٤٠)]. ولقد ذكرت كتب التاريخ أن عبد الملك حين أفضى إليه الأمر والمصحف في حجره يقرأه أطبقه وقال: هذا آخر عهدي بك، أو هذا فراق بيني وبينك. اهـ. ولما تتبعنا أصل الرواية وجدنا عند الخطيب البغدادي في تأريخه الرواية الأولى (١٠/ ٣٨٩) عن ابن عائشة قال: أفضى الأمر إلى عبد الملك والمصحف ... إلخ. قلنا: وابن عائشة الذي توفي (سنة ٢٢٨ هـ) بينه وبين اليوم الذي تولى فيه عبد الملك (سنة =