فيقاتل حتَّى يُقتَل؛ قال: فما الرأي؟ قال: أن تَخرج بنفسك ويخرج معك نظراؤك فيؤاسُونك بأنفسهم، قال: فلعنه مَنْ ثَمّ، وقال الحجَّاج: والله لأبرُزنّ له غدًا؛ فلمَّا كان الغدُ حضرَ الناس، فقال قتيبة: اذكرْ يمينَك أصلح الله الأمير! فلعنوه أيضًا. وقال الحجَّاجُ: اخرج فارتدْ لي مُعسكَرًا، فذهب وتهيَّأ هو وأصحابُه فخرجوا، فأتى على موضع فيه بعضُ القَذَرَ: موضع كُناسة، قال: ألقُوا لي هاهنا، فقيل: إنّ الموضع قَذِر، فقال: ما تَدعونني إليه أقذَر، الأرض تحتَه طيِّبة، والسماءُ فوقه طيِّبة، قال: فنزل وصَف الناس وخالد بن عَتَّاب بن وَرْقاء مسخوط عليه فليس في القوم، وجاء شبيب وأصحابه فقرّبوا دوابَّهم، وخرجوا يمشون، فقال لهم شبيب: الهُوا عن رَمْيكم، ودِبُّوا تحت تِراسِكم، حتَّى إذا كانت أسنَّتهم فوقَها، فأزِلقوها صُعُدًا، ثمّ ادخُلوا تحتَها لتستقِلوا فتُقطِّعوا أقدامهم، وهي الهزيمة بإذن الله، فأقبلوا يدِبّون إليهم. وجاء خالد بن عَتَّاب في شاكريَّته، فدار من وراء عسكرهم، فأضرم أخْصاصَهم بالنار، فلمَّا رأوْا ضوءَ النار وسمعوا مَعْمَعتَها التفتوا فرأوها في بيوتهم، فولّوا إلى خَيلِهم وتَبِعهم الناسُ، وكانت الهزيمة، ورضيَ الحجَّاج عن خالد، وعَقَد له على قتالهم.
قال: ولمَّا قَتَل شبيبٌ عَتابًا أراد دخول الكوفة ثانية، فأقبَل حتى شارَفها فوجّه إليه الحجَّاج سيف بن هانئ ورجلًا معه ليأتياه بخبر شبيب، فأتيا عسكره، ففطن بهما، فقتل الرجل، وأفلت سيفٌ، وتَبِعه رجل من الخوارج، فأوثب سيفٌ فرسه ساقية، ثمّ سأل الرجل الأمان على أن يُصدقه، فآمنه، فأخبره أنّ الحجَّاج بعثه وصاحبَه ليأتياه بخبر شبيب.
قال: فأخبرْه أنا نأتيه يوم الإثنين، فأتى سيف الحجَّاج فأخبره؛ فقال: كَذَب وماق، فلمَّا كان يومَ الإثنين توجَّهوا يريدون الكوفة، فوجَّه إليهم الحجَّاجُ الحارثَ بن معاوية الثَّقفيّ، فلقيه شبيب بزُرارَة فقتله، وهزم أصحابَه ودنا من الكوفة فبعث البَطِين في عشرة فوارس يرتاد له مَنزِلًا على شاطئ الفرات في دارِ الرّزْق، فأقبل البَطِين وقد وجَّه الحجَّاج حَوشبَ بنَ يزيدَ في جمع من أهل الكوفة، فأخذوا بأفواه السِّكَك، فقَاتَلَهم البَطِين فلم يقْوَ عليهم، فبعث إلى شبيب فأمدّه بفوارس، فعَقَروا فرس حَوْشب وهزموه ونجا، ومضى البَطين إلى دار الرّزِق، وعسكر على شاطئ الفرات، وأقبَل شبيب فنزل دون الجِسْر، فلم