يوجِّه إليه الحجَّاج أحدًا، فمضى فنزلْ السَّبَخة بين الكُوفة والفُرات، فأقام ثلاثًا لا يوجِّه إليه الحجَّاج أحدًا، فأشير على الحجَّاج أن يخرج بنفسه، فوجَّه قتيبةَ بن مسلم، فهيَّأ له عسكرًا ثم رجع، فقال: وجدتُ المأتى سَهْلًا، فسِر على الطائر الميمون؛ فنادى في أهل الكوفة فخرجوا، وخرج معه الوجوهُ حتَّى نزلوا في ذلك العسكر وتواقفوا، وعلى مَيمنة شبيب البَطِين، وعلى مَيسَرته قَعْنب مولَى بني أبي ربيعة بن ذهل، وهو في زُهاء مئتين، وجعل الحجَّاج على ميمنته مطرَ بن ناجية الرّياحيّ. وعلى ميسرته خالد بن عَتَّاب بن وَرْقاء الرّياحيّ في زُهاء أربعة آلاف، وقيل له: لا تُعَرّفْه موضعَك، فتنكَّر وأخفى مكانَه، وشبَّه له أبا الورد مولاه. فنظر إليه شبيب، فحمل عليه، فضربه بعمود وزنُه خمسة عشر رِطْلًا فقتَله، وشبّه له أعيَن صاحب حمَّام أعيَن بالكوفة، وهو مولَى لبكر بن وائل فقتلَه، فركب الحجَّاج بغلَة غَرّاء محجَّلة.
وقال: إن الدّين أغرُّ محجَّل، وقال لأبي كعب: قدّم لواءك، أنا ابن أبي عَقِيل، وحمل شبيب على خالد بن عَتَّاب وأصحابه، فبلغ بهم الرَّحبَة، وحمَلوا على مطر بن ناجية فكشفوه، فنزل عند ذلك الحجَّاج وأمَرَ أصحابَ مَصقلة بن مُهَلهل الضَّبيّ لجامَ شبيب، فقال: ما تقول في صالح بن مُسَرّح؟ وبِمَ تَشهدَ عليه؟ قال: أعَلى هذه الحال، وفي هذه الحَزَّة! والحجَّاج ينظُر، قال: فبرئ من صالح، فقال مَصقلة: برئ الله منكَ.
وفارقوه إلا أربعين فارسًا هم أشدّ أصحابه، وانحاز الآخرون إلى دار الرّزْق، وقال الحجَّاج: قد اختَلفوا، وأرسل إلى خالد بن عَتَاب فأتاهم فقاتَلَهم فقُتِلت غَزالةُ ومَرّ برأسِها إلى الحجَّاج فارسٌ فعرفه شبيبٌ، فأمر عُلوان فشدّ على الفارس فقتَلَه وجاء بالرأس، فأمر به فغُسل ودفنه وقال: هي أقرب إليكم رُحْمًا - يَعني غزالة.
ومضى القومُ على حامِيتَهم، ورجع خالدٌ إلى الحجَّاج فأخبره بانصراف القوم، فأمرَه أن يحمل على شبيب فحمل عليهم، وأتبعه ثمانية، منهم قعنب والبَطِين وعُلْوان وعيسى والمهذَّب وابن عُوَيمر وسِنان، حتَّى بلغوا به الرّحبة، وأتِي شبيب في موقفه بخُوط بن عُمَير السَّدوسيّ، فقال له شبيب: يا خُوط، لا حُكْمَ إلَّا لله، فقال: لا حُكم إلّا لله، فقال شبيب: خُوط من أصحابكم،