للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنَّه كان يخاف، فأطلقه، وأتِيَ بعُمَير بن القَعْقَاعِ، فقال له: لا حُكم إلّا لله يا عُمَير، فجعل لا يفقه عنه، ويقول: في سبيل الله شبابي، فردّد عليه شبيبٌ: لا حُكْمَ إلّا لله، ليتخلَّصه، فلم يفقهْ، فأمر بقتله، وقُتل مصاد أخو شَبِيب، وجعل شبيب ينتظِر النّفرَ الَّذين تبعوا خالدًا فأبطؤوا، ونعسٍ شبيب فأيقَظَه حبيب بن خدرة، وجعل أصحابُ الحجَّاج لا يُقدِمون عليه هيبة له، وسار إلى دار الرّزْق، فجمع رثَّه مَن قُتل من أصحابه، وأقبل الثمانية إلى موضع شبيب فلم يجدوه، فظنوا أنَّهم قتلوه، ورجع مطرٌ وخالدٌ إلى الحجَّاج فأمَرَهما فأتبعا الرّهط الثمانية، وأتبع الرّهط شبيبًا، فمضوا جميعًا حتَّى قطعوا جِسر المدائن، فدخلوا دَيرًا هنالك وخالد تقْفُوهم، فحصرهم في الدَّير، فخرجوا عليه فهزموه نحوًا من فرسخين حتَّى ألقَوْا أنفسَهم في دِجْلة بخيلهم، وألقَى خالدٌ نفسَه بفرسه فمرَّ به ولواؤه في يده، فقال شبيب: قاتله الله فارسًا وفرَسَه! هذا أشدّ الناس. وفرسُه أقوى فرس في الأرض، فقيل له: هذا خالدُ بن عتَاب، فقال: مُعْرقٌ له في الشجاعة، واللهِ لو علمتُ لأقحمتُ خلفه ولو دَخَل النار (١). [٦: ٢٧٣ - ٢٧٦].


(١) لقد سبق الكلام عن هذا الإسناد فلينظر. ولقد أرخ خليفة بن خياط لهذه الأحداث، فقال: ذكر أحداث سنة (٧٧ هـ): فيها بعث الحجاج عتاب بن ورقاء الرياحي إلى شبيب فلقيه بسواد الكوفة فقُتل عتاب وانهزم أصحابُه ..
ويذكر خليفة أن شبيب هزم عدة من قواد الحجاج، ثم غرق هو بعد أن قطع جسر دجيل الذي كان عليه. [خليفة (٢٧٥)].
وخلاصة هذه الصفحات التي ذكرها الطبري بالإضافة إلى ما قاله خليفة تفيد أن شبيبًا كان قائدًا شجاعًا خاض معارك شرسة ضد جيوش الخلافة بعد أن أعلن العصيان المسلح وعاث في الأرض فسادًا، وقتل عددًا من الأمراء الذين قاتلوه، ثم مات غرقًا فانتهت حركته الخارجية يومها.
ولقد أطال الطبري في ذكر تفاصيل المعارك التي دارت بين جيوش الحجاج وقوات الفائد الخارجي شبيب وسلفه صالح بن مسرح استغرقت الصفحات (٦/ ٢٢٤ - ٢٨٤) وجُلَّ هذه الروايات من طريق التالف الكذاب أبي مخنف وفيها من المبالغات والنكارات والحشو الكثير.
ورحم الله الطبري لو أعرض عن هذه الروايات واكتفى بأصح الروايات في الباب لكان خيرًا من بعده.
وهذه من المآخذ على منهج الطبري رحمه الله ذكرناه في غير موضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>