للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= بعدهم. فمعلوم لدينا أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه دوّن الدواوين، ومنها ديوان العطاء وديوان الخراج و ... إلخ.
وديوان العطاء: يختص بتوزيع الأعطية على الرعايا جميعًا (ما يسمى اليوم بحقوق المواطنين، وخاصة المجاهدين، ويسجل في هذا الديوان أسماء الناس واستحقاقاتهم).
نعم كان الإسلام يعرف هذا منذ عهد قديم (قبل أربعة عشر قرنًا) ولكن ما نقول لمستشرق أغمض عينيه فلا يرى حسنة من حسنات التاريخ الإسلامي!
ومن الأعمال الحضارية التي طوّرها عبد الملك هو ذلك العمل التجديدي في ديوان الخراج الذي يعتمد على الأرقام والحساب وهو ديوان يتضمن أسماء الأراضي الزراعية ومقادير محاصيلها مع مقدار الخراج الموضوع عليها وكانت هذه المعلومات تكتب بلغة البلاد المفتوحة (أي: الفارسية في العراق، والقبطية في مصر، والرومية بالشام) فعمد عبد الملك إلى توحيد لغتها فأصبحت جميعًا بلغة القرآن (العربية) وبذلك أصبح عصب مهم من اقتصاد الخلافة واضحًا ومفتوحًا أمام الخليفة بعد أن كان صعبًا عليه أن يقرأها دون الاستعانة بمترجمين أو دون استدعاء القائمين عليها ولكن بعد توحيد لغة الدواوين أصبح الاقتصاد الإسلامي في قبضة الخلافة وذلك إنجاز إداري في غابر الزمان لو تدبره المنصف لتبين له عظمة التاريخ الإسلامي.
وأخيرًا فإن خلفاء بني أمية (خلا اليزيدين؛ يزيد بن معاوية، ويزيد بن الوليد الفاسق) كانوا يتولون الحج كل عام أو يرسلون من ينوب عنهم من الأمراء، فالناس يرون الخليفة يصلي الصلوات الخمس ويحكم في قضاياهم ويدير شؤونهم ويتولون الحج ويشاركون مع سائر الأمة في شعائر الحج ومناسكه.
كما أخرج ابن سعد في طبقاته قال: أخبرنا محمد بن بكر الرساني قال: أخبرنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن محمد بن صهيب أنه رأى عبد الملك بن مروان يبتاع بمنى بدنة. [الطبقات الكبرى (٥: ٢٣٥)].
قلنا: والثابت تاريخيًا أن عبد الملك قد أمر بتعريب الدواوين وكتابتها جميعًا بلغة القرآن [المصدر الأول من مصادر هذا الدين] وأمر بضرب النقود كذلك، وبهاتين العمليتين الحضاريتين أضاف إلى جهود الفتوحات والدعوة الإسلامية أمورًا أخرى أدت بالنتيجة إلى قوة نظام الخلافة ووحدة الصف من الشرق إلى الغرب وكما اعترف أحد المستشرقين (المعادين للتاريخ الإسلامي) وهو: أندريه مايكل إذ قال: لقد أقام الأمويون نظامًا من أقوى النظم التي عرفتها البشرية بأسرها، وبفضلهم دخل الإسلام في ذروة العصور الوسطى .... وكان لهذا الحدث عواقب يصعب حسابها فلأول مرة تقع هاتان المنطقتان من مصب أنهار السند إلى أسبانيا تحت سلطة واحدة وتندمج في مجال اقتصادي واحد وتنظمها ثقافة واحدة. [الإسلام وحضارته: الباب الرابع: ٩٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>