قال: وكان الوليدُ يمرّ بالبقال فيَقف عليه فيأخذ حُزْمة البَقْل فيقول: بكَمْ هذه؟ فيقول: بفَلْس؛ فيقول: زدْ فيها.
قال: وأتاه رجلٌ من بني مخزوم يسألُه في دَينِه، فقال: نعم، إن كنت مستحقًا ذلك، قال: يا أميرَ المؤمنين، وكيف لا أكون مستحقًّا لذلك مع قرابتي! قال: أقرأت القرآن؟ قال: لا، قال: ادْنُ مني، فدَنا منه، فنَزَع عمامتَه بقَضيب كان في يده، وقَرَعه قَرَعات بالقَضيب، وقال لرجل: ضُمَّ هذا إليك، فلا يُفارقك حتى يقرأ القرآن، فقام إليه عثمانُ بن يزيدَ بن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنّ عليّ دينًا، فقال: أقرأتَ القرآن؟ قال: نعم، فاستقرأه عشرَ آيات من الأنفال، وعشْر آيات من براءة، فقرأ، فقال: نَعَم، نَقْضي عنكم، ونصل أرحامَكم على هذا.
قال: ومَرِض الوليدُ فرهقتْه غشْيَة، فمكث عامة يومِه عندَهم ميتًا، فبُكيَ عليه، وخرجت البُرُد بموته، فقَدِم رسولٌ على الحجاج، فاسترْجَع، ثمّ أمر بحبل فَشُدّ في يديه. ثم أوثق إلى أسطوانة، وقال: اللهمّ لا تسلط عليَّ من لا رحمةَ له، فقد طالما سألتُك أن تجعل منيتي قبل مَنِيته! وجعل يدعُو، فإنه لكذلك إذ قَدِم عليه بريدٌ بإفاقته.
قال عليّ: ولما أفاق الوليدُ قال: ما أحدٌ أسَرَّ بعافية أميرِ المؤمنين من الحجاج؛ فقال عمرُ بن عبد العزيز: ما أعظم نعمةَ الله علينا بعافيتك، وكأني بكتاب الحجاج قد أتاك يذكر فيه أنه لما بلغه برؤك خرّ الله ساجدًا، وأعتق كل مملوك له، وبعث بقوارير من أنْبَج الهند فما لَبث إلا أيامًا حتى جاء الكتاب بما قال:
قال: ثمّ لم يمُت الحجّاجُ حتى ثَقُل على الوَليد، فقال خادمٌ للوليد: إني لأوضّئ الوليدَ يومًا للغَداء، فمدّ يدَه، فجعلتُ أصبّ عليه الماء، وهو ساه والماء يسيلُ ولا أستطيعُ أن أتكلم، ثمّ نضَح الماءَ في وجهي، وقال: أناعسٌ أنتَ! ورَفَع رأسه إليّ وقال: ما تَدْري ما جاء الليلة؟ قلتُ: لا؛ قال: وَيحَك!