للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غزا قتيبةُ في سنة ست وتسعين، وحَمَل مع الناس عيالهم وهو يريد أن يُحرِز عياله في سَمرقَنْد خوفًا من سليمان، فلما عبر النهر استعمل رجلًا من مواليه يقال له الخُوارَزْمِيّ على مَقطَع النهر، وقال: لا يجوزَن أحدٌ إلا بجَواز؛ ومَضى إلى فَرْغانة، وأرسَل إلى شِعْب عصام من يُسَهّل له الطريق إلى كاشغر، وهي أدنَى مدائن الصين، فأتاه موتُ الوَليد وهو بفرْغانة.

قال: فأخبَرنا أبو الذّيال عن المهلب بن إياس، قال: قال إياس بن زُهير: لما عبر قتيبةُ النهرَ أتيتهُ فقلت له: إنك خرجتَ ولم أعلم رأيك في العِيال فنأخذَ أهبْةَ ذلك. وبَنيَّ الأكابر معي، ولي عيال قد خلَفْتهم وأم عجوز، وليس عندهم مَن يقوم بأمرِهم، فإن رأيت أن تَكتُب لي كتابًا مع بعض بَنيَّ أوجّهه فيقدم عليّ بأهلي! فكتَبَ، فأعطاني الكتابَ فانتهيت إلى النهر وصاحب النهر من الجانب الآخَر، فألوَيت بيدي، فجاء قومٌ في سفينة فقالوا: مَن أنتَ؟ أين جَوازك؟ فأخبرتُهم، فقَعدَ معي قومٌ وردّ قومٌ السفينةَ إلى العامل، فأخبروه. قال: ثمّ رجعوا إليّ فحملوني، فانتهيت إليهم وهم يأكلون وأنا جائعٌ، فرميتُ بنفسي، فسألَني عن الأمر، وأنا آكلُ لا أجيبه، فقال: هذا أعرابيّ قد ماتَ من الجوع، ثمّ ركبتُ فمضيتُ فأتيتُ مروَ، فحملت أمي، ورجعتُ أريدُ العسكر، وجاءنا موتُ الوَليد، فانصرفتُ إلى مرْو.

وقال: وأخبرَنا أبو مخنف، عن أبيه، قال: بعث قتيبةُ كثير بن فلان إلى كاشغَر، فسبَى منها سَبْيًا، فختم أعناقَهم مما أفاء الله على قُتيبة، ثمّ رجع قتيبة وجاءهم موتُ الوليد.

قال: وأخبرَنَا يحيى بن زَكرياء الهَمْدانيّ عن أشياخ من أهلِ خرُاسان والحَكَم بن عثمان، قال: حدّثني شيخ من أهل خُراسانَ. قال: وَغَل قتيبة حتى قرب من الصين. قال: فكتَبَ إليه مَلِك الصين أن ابعثْ إلينا رجلًا من أشراف مَن مَعَكم يُخبرنا عنكم، ونُسائِله عن دينكم. فانتخَب قتيبةُ من عسكره اثني عشرَ رجلًا - وقال بعضهم: عشرة - من أفناء القبائل، لهم جَمال وأجْسام وألسُن وشُعور وبأس، بعد ما سأل عنهم فوَجَدهم مِن صالح مَن هم منه. فكلّمهم قتيبةُ، وفاطَنَهم فرأى عقولًا وَجمالًا، فأمر لهم بعُدّة حسنة من السلاح والمَتاع الجيّد من الخَزّ والوَشْي والليّن من البَياض والرّقيق والنعال والعِطْر، وحَملَهم

<<  <  ج: ص:  >  >>