للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على خيول مطهّمة تُقادُ معهم، ودوابّ يرَكَبونها. قال: وكان هُبيرة بن المشَمْرَج الكلابيّ مفوهًا بسيطَ اللسان، فقال: يا هُبيرة، كيف أنتَ صانع؟ قال: أصلح الله الأمير! قد كُفيتَ الأدبَ وقلْ ما شئت أقُله. وآخذ به، قال: سِيروا على بركة الله، وبالله التوفيق، لا تَضعوا العمائمَ عنكم حتى تقدموا البلادَ، فإذا دخلتمْ عليه فأعلموهُ أني قد خفتُ ألّا أنصرِفَ حتى أطأ بلادَهم، وأختمَ ملوكهم، وأجْبي خَراجَهم.

قال: فساروا، وعليهم هبيرة بن المشَمرَج، فلما قدموا أرسلَ إليهم مَلِكُ الصين يدعوهم، فدَخلَوا الحمام، ثمّ خرجوا فلبسوا ثيابًا بيضا تحتها الغَلائل، ثم مَسّوا الغالية، وتدخّنوا ولبسوا النعال والأردية. ودخلوا عليه وعندَه عظماءُ أهل مملكته، فجلسوا، فلم يكلمهم الملك ولا أحدٌ من جلسائه فنَهضوا، فقال الملك لمَن حَضَره: كيف رأيتم هؤلاء؛ قالوا: رأينا قومًا ما هُمْ إلّا نساء، ما بقيَ منا أحد حين رآهم ووَجَد رائحتَهم إلا انتشَر ما عندَه.

قال: فلما كان الغد أرسَل إليهم فَلِبسوا الوشيَ وعَمائمَ الخَزّ والمَطارِف، وغدَوْا عليه، فلما دخلوا عليه قيل لهم: ارجِعوا، فقال لأصحابه: كيف رأيتم هذه الهيئة؟ قالوا: هذه الهيئة أشبَهُ بهيئة الرّجال من تلك الأولى، وهم أولئك، فلما كان اليوم الثالث أرسَلَ إليهم فشَدّوا عليهم سلاحَهم، ولَبسوا البَيضَ والمَغافِرَ، وتقلَّدوا السيوف، وأخَذوا الرّماح، وتنكبوا القسِيّ، وركبِوا خيولَهم، وغَدوا فنَظَر إليهم صاحبُ الصين فرأى أمثال الجِبال مُقْبِلة، فلما دَنوا ركزوا رِماحَهم، ثمّ أقَبلوا نحوَهم مشمّرين، فقيل لهم قبلَ أن يدخلوا: ارجعوا، لما دَخَل قلوبَهم من خَوْفهم.

قال: فانصَرَفوا فَركِبوا خيولهم، واختَلَجوا رِماحَهم، ثم دفعوا خيولَهم كأنهم يتطارَدون بها، فقال المَلِك لأصحابه: كيف ترونهم؟ قالوا: ما رأينا مثلَ هؤلاء قطّ، فلما أمسَى أرسَل إليهم الملك، أن ابعَثوا إليّ زعيمَكم وأفضَلَكم رجلًا، فبَعثوا إليه هُبَيرة، فقال له حين دخل عليه: قد رأيتم عظيمَ مُلْكي، وإنه ليس أحدٌ يمَنَعكم مني، وأنتم في بلادي، وإنما أنتم بمنزلة البَيضة في كفِّي وأنا سائلك عن أمر فإنْ لم تَصدقني قَتلتُكم. قال: سَل؛ قال: لِمَ صَنعتم من الزيّ في اليوم الأول والثاني والثالث؟ قال: أما زيُّنا الأوّل فلِباسنا في أهالينا وريحنا

<<  <  ج: ص:  >  >>