عندَهم، وأما يومُنا الثاني فإذَا أتينا أمراءنَا، وأما اليومُ الثالث فَزّيّنا لعدّونا، فإذا هاجَنَا هيج وفزع كنا هكذا، قال: ما أحسنَ ما دبّرتم دَهْركم! فانصرِفوا إلى صاحبكم فقولوا له: يَنصرِف، فإني قد عرفتُ حِرصَه وقلة أصحابه، وإلا بعثتُ عليكم من يُهلِككم ويُهلِكه، قال له: كيف يكون قليل الأصحاب مَنْ أوّل خيلهِ في بلادك وآخِرها في منابت الزّيتون! وكيف يكون حَرِيصًا من خلّف الدنيا قادرًا عليها وغَزاك! وأما تخويفك إيانا بالقتل فإنّ لنا آجالًا إذا حَضَرْت فأكرمها القتلُ، فلسنْا نَكرهه ولا نَخافُه؛ قال: فما الذي يُرضِي صاحبَك؟ قال: إنه قد حلف ألّا ينصرف حتى يطأ أرضَكم، ويختم ملوكَكم، ويُعطَى الجِزْية، قال: فإنا نخرجه من يمينه، نبعث إليه بتراب من ترابِ أرضِنا فيطؤه، ونَجث ببعض أبنائنا فيختمهم، ونجث إليه بِجزية يرضاها، قال: فدعا بصِحاف من ذهب فيها تُرابٌ، وبَعث بحرير وذهب وأربعةِ غِلمان من أبناء ملوكهم، ثم أجازهم فأحسَنَ جَوائزهم، فساروا فقَدِموا بما بَعَث به، فَقِبل قتيبةُ الجِزْية، وختم الغِلْمة وردّهم، ووَطئ التراب، فقال سوادة بن عبد الله السَّلُوليّ:
لا عَيبَ في الوَفْدِ الذينَ بَعَثتَهُمْ ... للصين إِنْ سَلَكوا طريقَ المَنَهج
كسرُوا الجفونَ على القذَى خوفَ الرَّدَى ... حاشَا الكريم هُبَيرةَ بن مُشَمرجِ
وبكتْهُ شُعْثٌ لم يجدنَ مُواسِيًا ... في العام ذي السَّنَوات والإِمحالِ
قال: وقال الباهليّون: كان قتيبة إذا رجع من غَزاتِه كلّ سنة اشتَرَى اثنَي عشر فرسًا من جِياد الخيل؛ واثنى عشرَ هجينًا، لا يُجاوز بالفرَس أربعة آلاف، فيقام