قال عليّ بن محمد: أخبَرَنا بِشْرِ بن عيسى والحَسَن بن رشيد وكُلَيب بن خَلَف عن طُفيل بن مِرْداس، وجَبَلة بن فروخ عن محمد بن عزيز الكِنْديّ، وجَبَلة بن أبي روّاد ومسلمة بن محارب عنِ السَّكِن بن قتَادة؛ أن قتيبةَ لما أتاه موتُ الوليدِ بن عبد الملك وقيامُ سليمان. أشفقَ من سليمانَ لأنه كان يَسعى في بَيعة عبد العزيز بن الوليد مع الحجاج. وخاف أن يولّي سليمانُ يزيدَ بنَ المهلب خُراسان. قال: فكتب إليه كتابًا يُهنّئه بالخلافة. ويعزّيه على الوليد. ويُعلمه بلاءَه وطاعتَه لعبد الملك والوليد. وأنه له على مِثل ماكان لهما عليه من الطاعة والنصيحة إن لم يَعزِلْه عن خُراسان. وكتب إليه كتابًا آخرَ يُعلِمه فيه فتُوحَه ونِكايتَه وعظمَ قَدرِه عند مُلوك العَجَم، وهيبته في صدورهم، وعظم صوته فيهم، ويذمّ المهلب وآل المهلَّب. ويحلف بالله لئن استعمل يزيدَ على خُراسان ليخلعنّه. وكتب كتابًا ثالثانيه خَلْعُه. وبعث الكُتُب الثلاثة مع رجل من باهِلة. وقال له: ادفع هذا الكتاب، فإن كان يزيدُ بن المهلب حاضرًا، فقرأه ثم ألقاه إليه؛ فادفع إليه هذا الكتاب، فإن قَرَأه وألقاه إلى يزيدَ؛ فادفع إليه هذا الكتاب، فإن قرأ الأوّل ولم يدفعْه إلى يزيد؛ فاحتبس الكتابَين الآخرَين.
قال: فقَدِم رسولُ قتيبةَ فدخل على سليمانَ وعندَه يزيدُ بن المهلب. فَدَفَع إليه الكتاب، فقرأه. ثم ألقاه إلى يزيد. فدفع إليه كتابًا آخرَ فقرأه، ثمّ رَمَى به إلى يزيدَ، فأعطاه الكتاب الثالث. فقرأه فتمعرَّ لونُه ثم دَعَا بطِين فختمه ثم أمسكه بيده (١). (٥٠٧: ٦ - ٥٠٨).
رجع الحديث إلى حديث عليّ بن محمد. قال: ثمّ أمر - يَعنيِ سليمان - برسولِ قتيبةَ أن يُنزَّل. فحوِّل إلى دار الضيافة. فلما أمسَى دعا به سليمان. فأعطاه صُرّةً فيها دنانير. فقال: هذه جائزتُك. وهذا عهدُ صاحبك على خُراسان فسرْ، وهذا رسولي معك بعَهْده. قال: فخرج الباهليّ، وبعث معه سليمانُ رجلًا منِ عبد القيس. ثمّ أحد بني لَيث يقال له صَعْصعة -أو مُصعَب - فلما كان بحُلوان تلقاهم الناس بخَلْعِ قُتيبة. فرجع العبديّ، ودفع العهدَ إلى رسول قتيبة. وقد
(١) قلنا: هذا إسناد مركب رواه المدائني من عدة طرق فيها من لم نعرفهم وفيهم من ذكره ابن حبان في الثقات كجبلة بن رواد، ومسلمة بن محارب وهو أخباري مأمون كما نقل الذهبي في الميزان. (راجع التراجم في المقدمة).