قلنا: وهذه الرواية التي اعتمدناها في الصحيح تبين أسباب خروج قتيبة ورفضه البيعة لسليمان بن عبد الملك ولقد ذكر الحافظ الناقد ابن كثير سببًا آخر وجيهًا فرأينا لزامًا أن نذكر رأيه كإمام من أئمة التاريخ. قال ابن كثير رحمه الله: وقد عزم قتيبة بن مسلم الباهلي على عدم مبايعة سليمان بن عبد الملك وأراد الدعوة لنفسه لما تحت يده من العساكر ولما فتح من البلاد والأقاليم. [البداية والنهاية (٧: ٢٨٨)]. قلنا: وكذلك أرخ خليفة بن خياط لمقتل قتيبة بن مسلم الباهلي فقال ضمن أحداث سنة (٩٦ هـ): وفيها قتل قتيبة بن مسلم حدثني عبد الله بن المغيرة قال: ثني أبي: عن عبد الله بن أبي حاضر الأسدي قال: أتيت حصين بن المنذر حين سار إلى قتيبة فقال لي: ما صنع القوم؟ قلت: ما أراهم إلَّا قاتليه إن يصلوا إلى قتله، فأطرق طويلًا ثم قال: يابن أبي حاضركم ترى في هذا العسكر من فرس ودابة وبغل وحمار؟ قلت: مئة ألف. قال: فوالله لو انتخبوا من ذلك عشرة آلاف، ثم انتخبوا من العشرة آلاف ألفًا، ثم بعثوا كل واحد في وجه يطلبون مثل قتيبة ما قدروا عليه. [تاريخ خليفة (ص ٣١٣)]. قلنا: وكل مسلم غيور يتألم للخاتمة التي ختم بها قتيبة حياته بعد كل تلك البطولات والفتوحات، ولكن الحافظ ابن كثير كتب مقالة رائعة في ذلك فقال: (وقد كان قتيبة بن مسلم من سادات الأمراء وخيارهم وكان من القادة النجباء الكبراء والشجعان وذوي الحروب والفتوحات السعيدة، والآراء الحميدة، وقد هدى الله على يديه خلق لا يحصيهم إلَّا الله، فأسلموا ودانوا لله عزَّ وجلَّ، وفتح من البلاد والأقاليم الكبار والمدن العظام شيئًا كثيرًا كما تقدم ذلك مفصلًا مبينًا، والله سبحانه لا يضيع سعيه ولا يخيب تعبه وجهاده. ولكن زل زلة كان فيها حتفه وفعل فعلة رغم فيها أنفه وخلع الطاعة فبادرت المنية إليه وفارق الجماعة، لكن سبق له من الأعمال الصالحة ما قد يكفر الله به سيئاته ويضاعف به حسناته والله يسامحه ويعفو عنه ويتقبل منه ما كان يكابده من مناجزة الأعداء. [البداية والنهاية (٩: ١٦٧)]. وقال الحافظ الذهبي عن قتيبة بن مسلم الباهلي: أحد الأبطال الشجعان ومن ذوي الحزم والدهاء والرأي والفناء. وهو الذي فتح خوارزم وبخارى وسمرقند وكانوا قد نقضوا وارتدوا ثم إنه افتتح فرغانة وبلاد الترك في سنة ٩٥ هـ ولما بلغه موت الوليد نزع الطاعة فاختلف عليه جيشه ...... فقتلوه في ذي الحجز سنة ست وتسعين. [مختصر سير أعلام النبلاء (٣ / تر ٥٣٧)].