وعامر بن حفص وأبو مخنَف عن عثمانَ بن عمرو بن محصَن الأزديّ وزهير بن هنيد وغيرهم - وفي خبر بعضهم ما ليس في خبر بعض، فألّفت ذلك - أنّ سليمان بنَ عبد الملك ولى يزيدَ بنَ المهلَّب العِراقِ ولم يولِّه خُراسان، فقال سليمان بن عبد الملك لعبد الملك بن المهلب وهو بالشأم ويزيدُ بالعراق: كيف أنتَ يا عبدَ الملك إنْ وليتُك خُراسان؟ قال: يجدني أميرُ المؤمنين حيثُ يحبّ، ثمّ أعرضَ سليمانُ عن ذلك. قال: وكتب عبدُ الملك بن المهلب إلى جرير بن يزيدَ الجَهْضميّ وإلى رجال من خاصّته: إنّ أمير المؤمنين عَرَضِ عليّ ولاية خُراسانَ فبلغ الخبرُ يزيدَ بنَ المهلب، وقد ضَجِر بالعراق، وقد ضيّق عليه صالح بنُ عبد الرحمن، فليس يصل معه إلى شيء، فدعا عبد الله بن الأهتم، فقال: إني أريدك لأمر قد أهمَّني، فأحبّ أن تَكفينيه، قال: مُرْني بما أحببْت، قال: أنا فيما ترى من الضيق، وقد أضجَرني ذلك، وخُراسان شاغِرةٌ برجلها، وقد بَلَغني أنّ أميرَ المؤمنين ذكَرَها لعبدِ الملك بن المهلب، فهل من حيلة؟ قال: نعم، سرِّحني إلى أميرِ المؤمنين، فإني أرجو أن آتيَك بعَهْدك عليها، قال: فاكتم ما أخبرْتُك به، وكتب إلى سليمان كتابين: أحدهما يَذكُر له فيه أمرَ العراق. وأثنى فيه على ابن الأهتم وذكَر له علمه بها، ووجّه ابن الأهتم وحمَله على البَريد، وأعطاه ثلاثين ألفًا. فسار سبعًا، فقَدم بكتاب يزيدَ على سليمان، فدخل عليه وهو يتغدَّى، فجلس ناحيةً، فأتيَ بدجاجَتين فأكَلَهما.
قال: فدخل ابنُ الأهتم فقال له سليمان: لك مجلسٌ غيرُ هذا تعود إليه. ثمّ دعا به بعدَ ثالثة، فقال له سليمان: إنّ يزيدَ بنَ المهلب كتب إليّ يذكُر علمَك بالعراق وبخُراسان، ويُثْني عليك، فكيف علمُك بها؟ قال: أنا أعلَم الناس بها؛ بها وُلدتُ، وبها نشأتُ، فلي بها وبأصْلها خبر وعِلم. قال: ما أحوَجَ أميرَ المؤمنين إلى مثلك يُشاوره في أمرها! فأشرْ عليّ برَجُل أولِّيه خُراسان، قال: أميرُ المؤمنين أعلم بمن يريد يولي، فإن ذكر منهم أحدًا أخبرتُه برأيي فيه، هل يَصلُح لها أو لا؛ قال: فسمَّى سليمانُ رجلًا من قريش؛ قال: يا أمير المؤمنين، ليس من رجال خُراسان، قال: فعبدُ الملك بن المهلب، قال: لا، حتى عدّد رجالًا، فكان في آخر من ذكر وكيع بن أبي سُود، فقال: يا أميرَ المؤمنين، وكيعٌ رجلٌ شجاعٌ صارم بَئيس مقدام. وليس بصاحبها مع هذا، إنه لم يقُد ثلاثمئةٍ قط فرأى