لعُمَر بن عبد العزيز، إني قد ولّيتك الخلافةَ من بعدي، ومن بعده يزيد بن عبد الملك؛ فاسمعوا له وأطيعوا، واتقوا الله ولا تختلفوا فيُطمَعَ فيكم.
وختم الكتاب، وأرسل إلى كعب بن حامد العبسيّ صاحب شُرَطه فقال: مُرْ أهلَ بيتي فليجتمعوا؛ فأرسل كعب إليهم أن يجتمعوا فاجتمعوا، ثمّ قال سليمانُ لرجاء بعد اجتماعهم: اذهبْ بكتابي هذا إليهم فأخبرهم أنّ هذا كتابي، وأمرُهم فليبايعوا من وليت فيه؛ ففعل رجاء، فلما قال رجاء ذلك لهم قالوا: ندخل فنسلِّم على أمير المؤمنين؟ قال: نعم؛ فدخلوا فقال لهم سليمانُ في هذا الكتاب - وهو يشير لهم إليه وهم ينظرون إليه في يد رجاء بن حَيوة - عهدي، فاسمعوا وأطيعوا وبايعوا لمن سمّيت في هذا الكتاب. فبايَعوه رجلًا رجلًا، ثمّ خرج بالكتاب مختومًا في يد رجاء بن حَيوة.
قال رجاء: فلما تفرّقوا جاءني عمر بن عبد العزيز فقال: أخشى أن يكون هذا أسندَ إليّ من هذا الأمر، فأنشدك الله وحُرْمتي ومَوَدّتي إلا أعلَمتني إن كان ذلك حتى أستعفيه الآن قبل أن تأتيَ حال لا أقدر فيها على ما أقدر عليه الساعة! قال رجاء: لا والله ما أنا بمُخبرك حَرْفًا؛ قال: فذهب عمرُ غضبان.
قال رجاء: لقيني هشام بن عبد الملك، فقال: يا رجاء، إنّ لي بك حُرمةً ومودّةً قديمةً، وعندي شكر، فأعْلِمْني هذا الأمر، فإن كان إليّ علمتُ، وإن كان إلى غيري تكلّمتُ، فليس مثلي قصّر به، فأعلمِني فلك اللهُ عليّ ألّا أذكر من ذلك شيئًا أبدًا. قال رجاء: فأبيت فقلت: والله لا أخبرك حرفًا واحدًا مما أسِرَّ إليّ.
قال: فانصرف هشام وهو قد يئس، ويضرب بإحدى يديه على الأخرى وهو يقول: فإلى من إذًا نُحِّيَتْ عني؟ أتخرج من بني عبد الملك؟ قال رجاء: ودخلتُ على سليمان فإذا هو يموت، فجعلتُ إذا أخذَتْه السَّكْرة من سَكَرات الموت حرّفتُه إلى القبلة، فجعل يقول حين يُفيق: لم يأنِ لذلك بعدُ يا رجاء، ففعلت ذلك مرّتين، فلما كانت الثالثة قال: من الآن يا رجاء إن كنت تريد شيئًا، أشهدُ أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله. قال: فحرّفته ومات؛ فلما غمّضته سجَّيته بقطيفة خضراء، وأغلقتُ البابَ، وأرسلت إليّ زوجتُه تقول: