فقال أهل الرأي: قد خالطنا هؤلاء القوم وأقمنا معهم، وأمِنونا وأمنّاهم، فإن حُكم لنا عدنا إلى الحرب ولا ندري لمن يكون الظفر، وإن لم يكن لنا كنا قد اجتلبنا عداوة في المنازعة، فتركوا الأمر على ما كان، ورضوا ولم ينازعوا.
قال: وكتب عمر إلى عبد الرحمن بن نعيم يأمره بإقفال مَنْ وراء النهر من المسلمين بذراريّهم. قال: فأبوا وقالوا: لا يسعنا مَرْو، فكتب إلى عمر بذلك، فكتب إليه عمرُ: اللهمّ إني قد قضيت الذي عليّ، فلا تغزُ بالمسلمين، فحسْبُهم الذي قد فتح الله عليهم. (٦: ٥٦٧ - ٥٦٨).
قال: وكتب إلى عقبة بن زرعة الطائيّ - وكان قد ولّاه الخراج بعد القُشيري: إنّ للسلطان أركانًا لا يثبت إلا بها، فالوالي رُكنٌ، والقاضي ركنٌ، وصاحب بيت المال ركنٌ، والركن الرابع أنا، وليس من ثغور المسلمين ثغر أهمَّ إليّ، ولا أعظم عندي من ثغر خُراسان، فاستوعب الخراج وأحرِزة في غير ظلم، فإن يك كَفافًا لأعطياتهم فسبيل ذلك، وإلا فاكتب إليّ حتى أحمل إليك الأموال فتوفر لهم أعطياتهم.
قال: فقدم عُقْبة فوجد خراجهم يفضُل عن أعطياتهم، فكتب إلى عمر فأعلمه، فكتب إليه عمر: أن اقسم الفضل في أهل الحاجة.
وحدّثني عبد الله بن أحمد بن شبّوية، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني سليمان، قال: سمعت عبد الله يقول عن محمد بن طلحة، عن داود بن سليمان الجُعفيّ، قال: كتب عمر بن عبد العزيز:
من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عبد الحميد، سلام عليك؛ أما بعد؛ فإنّ أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدّة وجَوْر في أحكام الله وسنّة خبيثة استنّها عليهم عمال السوء، وإن قَوام الدّين العدلُ والإحسان، فلا يكوننّ شيء أهمَّ إليك من نفسك؛ فإنه لا قليل من الإثم، ولا تحمل خرابًا على عامر، ولا عامرًا على خراب، انظر الخراب فخذ منه ما أطاق، وأصلحه حتى يعمر، ولا يؤخذ من العامر إلا وظيفة الخراج في رِفْق وتسكين لأهل الأرض، ولا تأخذنّ في الخراج إلا وزن سبعة ليس لها آيين ولا أجور الضرابين، ولا هديّة النيروز والمهرجان، ولا ثمن الصُّحُف، ولا أجور الفيوج، ولا أجور البيوت، ولا دراهم النكاح، ولا خراجَ على من أسلم من أهل الأرض؛ فاتّبع في ذلك أمري؛ فإني قد وليتك