إنكم لمْ تُخْلَقُوا عَبَثًا، ولن تُتركُوا سُدى؛ وإن لكم معادًا ينزل الله فيه للحكم فيكم، والفصل بينكم، وقد خاب وخسر مَنْ خرج من رحمة الله التي وسعت كلّ شيء، وحُرِم الجنة التي عرضها السمواتُ والأرضُ، ألا واعلمُوا أنما الأمان غدًا لمن حذر الله وخافه، وباع نافذًا بباق، وقليلًا بكثير، وخوفًا بأمان. ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيخلّفها بعدكم الباقون كذلك حتى تردّ إلى خير الوارثين! وفي كلّ يوم تشيّعون غاديًا ورائحًا إلى الله قد قضى نحبَهُ، وانقضى أجله، فتغيّبونه في صَدْع من الأرض، ثمّ تَدعونه غير موسَّد ولا ممهَّد، قد فارق الأحبّه، وخلع الأسبابَ، فسكن التراب وواجه الحساب، فهو مرتهَن بعمله، فقير إلى ما قدّم، غنيّ عمّا ترك، فاتقوا الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقعه. وايم الله إني لأقولُ لكم هذه المقالة، وما أعلم عند أحد منكم من الذنوب أكثر مما عندي؛ فأستغفر الله وأتوب إليه. وما منكم من أحد تبلغنا عنه حاجة إلا أحببت أن أسدّ من حاجته ما قدرتُ عليه، وما منكم أحد يسعه ما عندنا إلا وددتُ أنه سَدَاي ولحمتي، حتى يكون عيشنا وعيشه سواء. وايم الله أن لو أردت غير هذا من الغَضارة والعيش؛ لكان اللسان مني به ذلولًا عالمًا بأسبابه، ولكنه مضى من الله كتاب ناطق وسنّة عادلة، يدلّ فيها على طاعته، وينهى عن معصيته.
ثم رفع طرف ردائه فبكى حتى شهق وأبكى النَّاس حوله، ثم نزل فكانت إياها لم يخطب بعدها حتى مات رحمه الله.
روى خلف بن تميم، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمد بن سعد، قال: بلَغني أنّ عمر بن عبد العزيز مات ابنٌ له، فكتب عامل له يعزّيه عن ابنه، فقال لكاتبه: أجبه عني، قال: فأخذ الكاتب يبري القلم، قال: فقال للكاتب: أدقّ القَلم، فإنه أبقى للقرطاس، وأوجز للحروف، واكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فإنَّ هذا الأمر أمرٌ قد كنا وطّنّا أنفسنا عليه، فلمّا نزل لم ننكره، والسلام.
روى منصور بن مزاحم، قال: حدَّثنا شعيب -يعني ابن صفوان- عن ابن عبد الحميد، قال: قال عمر بن عبد العزيز: مَن وصل أخاه بنصيحة له في دينه، ونظر له في صلاح دنياه، فقد أحسن صلته، وأدّى واجب حقِّه؛ فاتقوا الله، فإنها نصيحة لكم في دينكم، فاقبلوها، وموعظة منجية في العواقب فالزموها.