للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= المسألة ولم يذكرها إلا الرواة المتروكون أو الكذابون الهالكون وكذلك أخرج ابن عساكر رواية هذه القصة من طرق لا تخلو من مجهول أو مجهولين.
ب - هذه الروايات المكذوبة تذكر أنه رحمه الله توفي كمدًا وهمًا وغمًّا على وفاة تلك الجارية بينما الرواية التأريخية المسندة الموصولة عند ابن عساكر تذكر أنه مات بالسلّ، والسلّ مرض عضوي عبارة عن التهاب الرئتين بالجرثومة المعروفة - وأعراضها معروفة لدى الناس وخاصة أنها كانت يومها مستعصية على العلاج [انظر تأريخ دمشق / مجلد ٥٦/ ٨٣١٣].
ج - لماذا كل هذا التبذّل والتمسكن والمذلة من خليفة يحكم شطر العالم ومن أجل جارية؟ وباستطاعة الخليفة أن يتزوج أجمل منها وأحسن منها وهو أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الذي تتمناه كل فتاة جميلة ومن أرفع وأنبل العوائل - ألا إنه خيال المتروكين الذين لم يكن لهم همّ إلّا الوضع في مثالب أئمة المسلمين.
د - وأخيرًا فإن المصادر التأريخية كلها تشهد بأن الخليفة يزيد بن عبد الملك واجه أكبر خطرين هددا الخلافة يومها. الأول: هو الخطر الداخلي الذي تمثل بحركة التمرد التي قادها يزيد بن المهلب الذي استولى على البصرة وأرسل نوابه في الأصقاع (الكوفة- واسط- خراسان- الأهواز) واشتدت شوكته فجرد له الخليفة جيشًا بقيادة أخيه مسلمة ودحره دحرًا مبينًا.
وأما الخطر الثاني: فهو خطر الأقوام المتاخمة لحدود الخلافة في الشمال الشرقي سواء كانوا تركًا أو صغدًا أو من عاونهم وقد جرّد لهم الجيوش القوية وخاض المسلمون في عهده غمار حروب دامية هناك انتهت بانتصار المسلمين وهزيمة أعدائهم شرّ هزيمة ولو كان الخليفة يزيد غارقًا في اللهو والحب والهيام والغرام فكيف استطاع أن يحزم أمره ويواجه تلك المصاعب الداخلية والخارجية في آن واحد وأن يقود الأمة إلى برّ الأمان ويسلّمها إلى الخليفة الحازم العادل من بعده هشام بن عبد الملك؟ ولا نقول أكثر من هذا في ردّ هذه الشبهة.
ثانيًا: التغييرات الإدراية (من عزل وتنصيب) والتي قام بها يزيد بن عبد الملك كانت هادفة وفي مصلحة الأمة كما سنبين:
تذكر المصادر التأريخية كما بيّنا آنفًا أن بزيد بن عبد الملك أمر بعزل سعيد المعروف بخذينة ونصب مكانه سعيد بن عمرو الحرشي واليًا على خراسان وكان سعيد هذا بطلًا من أبطال الفتح المشهورين فانزعج منه الترك وخافوه خوفًا شديدًا وتقهقروا من بلاد الصفد إلى ما وراء ذلك من بلاد الصين وغيرها (انظر البداية والنهاية ٧/ ٣٦٦).
وهذا يعني أن الإداري الجديد أزاح خطرًا كبيرًا عن حدود الخلافة الإسلامية آنذاك.
ثم إن يزيد بن عبد الملك أرسل أخاه مسلمة بن عبد الملك على رأس جيش كبير لدحر تمرد يزيد بن المهلب وإخماد نار الفتنة في العراق وما جاورها ففعل ذلك بنجاح فولّاه العراق حتى هدأت الأوضاع هناك ثم عزله في نهاية سنة (١٠٢ هـ). =

<<  <  ج: ص:  >  >>