وهذا مثال ثالث: فالمصادر التأريخية تذكر أن الخليفة يزيد بن عبد الملك عزل والي المدينة عبد الرحمن بن الضحاك لهفوة بدت منه وعيّن مكانه عبد الواحد النضري والذي أبدى بدوره سيرة حسنة في الناس وعدلًا وتسامحًا وكان يشاور في أمره كله علماء المدينة يومها من أمثال القاسم وسالم [وانظر الطبري ٧/ ١٤] وأخيرًا فإن الخلفاء من قبل يزيد ومن بعده عزلوا وعيّنوا مرارًا لمصلحة راجحة بدت لهم فكان ماذا؟ ثالثًا: على عكس ما تصوره الروايات الملفقة فإن الروايات التأريخية الصحيحة تبيّن أن الخليفة يزيد بن عبد الملك كان يجالس العلماء ويحضر حلقات دروسهم ويتواضع لهم فقد روى الوليد بن مسلم عن ابن جابر قال: بينما نحن عند مكحول إذ أقبل يزيد بن عبد الملك فهممنا أن نوسع له فقال مكحول: دعوه يجلس حيث انتهى به المجلس يتعلم التواضع [البداية والنهاية ٧/ ٣٦٩] [ابن عساكر ١٨/ ٣٣٩]. رابعًا: إن جيوش الخلافة في عهد أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك كانت تدك قلاع الكفر شرقًا وغربًا وتفتح الأقاليم أمام الدعوة الإسلامية وتلك من مزايا يزيد بن عبد الملك الحسنة رحمه الله تعالى ففي عهده أغزى بشر بن صفوان (والي إفريقية) عمرو بن فاتك الكلبي في البحر فغنم وسلم وذلك سنة أربع ومئة (تأريخ خليفة / ٣٣٨) وفي عهده غزا القائد الفاتح الجراح الحكمي حدود أرمينية وفتح الله على يديه (بلنجر) وهزم ابن خاقان الترك في معركة ضارية على نهر أرّان ثم صالح أهلها وسار نحو ورثان في حدود أذربيجان (خليفة / ٣٣٨) وتوغّل الجراح في تلك البلاد حتى أتى مدائن من وراء بلنجر ففتح بعضها وأجلى بعضها وذلك سنة (١٠٥) هـ وانظر خليفة (٣٣٩) ولقد تحدثنا عن هذه المعارك أثناء تخريجنا لروايات الطبري المتعلقة بعهد الخليفة يزيد فلا داعي للتكرار أكثر من ذلك. خامسًا: لماذا لم يحافظ يزيد بن عبد الملك على المستوى الرفيع الذي رجعت إليه إدارة الخلافة أيام ابن عبد العزيز؟ صحيح أن يزيد بن عبد الملك لم يحافظ على ذلك المستوى اللائق بالخلافة ولكن لماذا؟ أما قول من قال بأن يزيد بن عبد الملك عمد إلى كل ما صنعه عمر بن عبد العزيز من قبله مما لا يوافق هواه فردّه فهذا غير صحيح وبحثت عن أصل هذا القول فوجدته عند البلاذري وقد أخرجه من طريق المدائني عن أبي جزي وأبو جزي هذا متروك كذاب [قال فيه ابن معين: من المعروفين بالكذب ووضع الحديث وقال النسائي والرازي والدارقطني: متروك. وقال الفلاس: أجمع أهل العلم بالحديث أنه لا يروى عن جماعة أحدهم نصر بن طريق (أبي جزي) وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به وقال أحمد لا يكتب حديثه! ! ! فبالله عليكم =