للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= كيف يعتمد على كذاب وضاع متروك في إثبات هذه التهمة؟ ؟ ؟
ولقد أراد الرجل أن يسير بسيرة عمر بن عبد العزيز في بداية عهده ولكنه توقف وأخفق فلم يكن صاحب همة عالية كسلفه ولم يكن وازع التقوى عنده قويًّا كسلفه أضف إلى ذلك أن ابتعاد العلماء عن مجلس حكمه كان عاملًا آخر يضاف إلى العوامل الأخرى، والحق يقال فإن عمر بن عبد العزيز لم يرتفع إلى ذلك المستوى الرفيع بجهوده الفردية، وإنما كان حوله كوكبة من العلماء والقضاة شكلوا بطانة صالحة ومجلس شورى يعينونه على العدل والإحسان وإنصاف المظلوم، والحق يقال فإن التأريخ السياسي الإسلامي ليس تأريخ أسرة بعينها [أموية كانت أو عباسية] وإنما هو تأريخ الأمة بأسرها؛ شارك في تسطير صفحاته العلماء والأمراء والسواد الأعظم من ورائهم.
وخلاصة القول: إن الخليفة يزيد بن عبد الملك كان شديدًا على أعداء الله في الخارج، وشديدًا على الخوارج وغيرهم من أهل البدع في الداخل؛ فلا غرابة أن ينسج المتروكون من أهل البدع روايات وأغاليط في مثالبه وينشروها بين الناس حتى تصل إلى أسماع الأخباريين الذين كان همّهم الجمع سامحهم الله دون تمييز الروايات إلى غث وسمين والله المستعان.
ولا ذنب للرجل في كل ما اتهموه به سوى أنه جاء من بعد خليفة عادل أطبقت شهرته الآفاق- وأراد يزيد أن يسلك مسلك سلفه ولكنه لم يستطع أن يرتفع إلى ذلك الأفق الرفيع الذي بلغه عمر بن عبد العزيز ولكنه كذلك لم يتدنّى إلى ذلك المستوى الهابط كما تصوره روايات التالفين الهالكين.
وهذا مثال آخر يؤكد ما قلنا - فقد ارتفعت قيادة الأمة مرة أخرى في عهد هشام بن عبد الملك إلى مستوى مرموق لعدّة عوامل منها همة الخليفة هام وحزمُهْ وإرادته القوية إضافة إلى كوكبة من العلماء البارزين أحاطوا به كالسوار أو انبروا للتربية والتعليم الطوعي والمنظم فالزهري لازمه طيلة حكمه والحسن البصري كان موجهًا للجماهير في البصرة وميمون بن مهران في الجزيرة وغير واحد في الحجاز كما سنذكر في حينه- أمّا في عهد يزيد بن عبد الملك فإنه كان يتودد إلى العلماء ويحضر حلقات دروسهم ولكنهم يبتعدون عنه ولعلَّ قرابته من الحجاج أخافت الناس والعلماء فابتعدوا عنه ولعل أسبابًا أخرى، ولكن لله ثم للتأريخ نقول: إن ابتعاد العلماء عن مجلسه كان عاملًا آخر أوهن في عزيمة يزيد وبدلًا من العلماء أحاط به بعض الوصوليين الذين لم يعينوه على ما أعين عليه ابن عبد العزيز وهذه أسباب من القدر الكوني التأريخي: أخرج يعقوب بن سفيان البسوي من طريق سعيد عن ضمرة عن رجاء قال: قدم يزيد بن عبد الملك إلى بيت المقدس فأراد رجاء بن حيوة على أن يصحبه فأبى واستعفى- فقال له عقبة بن وساج: إن الله ينفع بمكانك قال إن أولئك الذين تريدون قد ذهبوا". [المعرفة والتأريخ ٢/ ٣٧٠] علمًا بأن يزيد كان يتودد إلى رجاء ويجزل له العطاء فقد أخرج يعقوب بن سفيان قال: حدئني سعيد بن أسد قال حدثنا ضمرة عن رجاء بن =

<<  <  ج: ص:  >  >>