أبو الحكم بن عبادة لسَوْرة: انظر أبْرَد بيت بسَمرَقند فنمْ فيه، فإنك إن خرجت لا تبالي أسخط عليك الأمير أم رضي. وقال له حُلَيس بن غالب الشيبانيّ: إن التّرك بينك وبين الجنيد؛ فإن خرجت كرّوا عليك فاختطفوك.
فكتب إلى الجنيد: إني لا أقدر على الخروج؛ فكتب إليه الجُنيد: يا بن اللخناء، تخرج وإلا وجّهت إليك شدّاد بن خالد الباهليّ - وكان له عدوًّا - فاقدَم، وضع فلانًا بفرخشاذ في خمسمئة ناشب، والزم الماء فلا تفارقه.
فأجمع على المسير، فقال الوَجَف بن خالد العبديّ: إنك لمهلك نفسَك والعرب بمسيرك؛ ومهلك من معك، قال: لا يُخْرَج حملي من التّنّور حتى أسير؛ فقال له عبادة وحُليس: أما إذ أبيتَ إلا المسير فخذ على النهر، فقال: أنا لا أصل إليه على النهر في يومين، وبيني وبينه من هذا الوجه ليلة فأصبّحه؛ فإذا سكنت الزُّجَل سرتُ فأعبره.
فجاءت عيون الأتراك فأخبروهم، وأمر سَوْرة بالرحيل؛ واستخلف على سَمَرقند موسى بن أسود؛ أحد بني ربيعة بن حنظلة، وخرج في اثني عشر ألفًا، فأصبح على رأس جبل؛ وإنما دلّه على ذلك الطريق عِلْج يسمى كارتقبد؛ فتلقّاه خاقان حين أصبح وقد سار ثلاثة فراسخ، وبينه وبين الجنيد فرسخ: فقال أبو الذيّال: قاتلهم في أرض خَوّارة، فصبر وصبروا حتى اشتدّ الحرّ.
وقال بعضهم: قال له غوزك: يومك يوم حارّ فلا تقاتلهم حتى تحمَى عليهم الشمس وعليهم السلاح. تثقلهم. فلم يقاتلهم خاقان؛ وأخذ برأي غوزك، وأشعل النار في الحشيش، وواقفهم وحال بينهم وبين الماء، فقال سَوْرة لعبادة: ما ترى يا أبا السليل؟ قال: أرى والله أنه ليس من الترك أحد إلا وهو يريد الغنيمة؛ فاعقِرْ هذه الدوابّ وأحرِق هذا المتاع، وجرّد السيف؛ فإنهم يُخلّون لنا الطريق. قال أبو الذّيال: فقال سَوْرة لعبادة: ما الرأي؟ قال: تركت الرأي، قال: فما ترى الآن؟ قال: أن ننزل فنُشرع الرّماح، ونزحف زحفًا، فإنما هو فرسخ حتى نصل إلى العسكر، قال: لا أقوى على هذا؛ ولا يقوى فلان وفلان. . وعدّد رجالًا؛ ولكن أرى أن أجمع الخيل ومن أرى أنه يقاتل فأصكّهم؛ سلمتُ أم عَطبتُ؛ فجمع الناس وحملوا فانكشفت الترك، وثار الغُبار فلم يبصروا، ومن وراء الترك اللِّهبُ فسقطوا فيه، وسقط فيه العدوّ والمسلمون، وسقط سَورة