فاندقّت فخذه، وتفرّق الناس، وانكشفت الغمة والناس متفرّقون، فقطعتهم الترك، فقتلوهم فلم ينجُ منهم غير ألفين - ويقال: ألف - وكان ممن نجا عاصم بن عمير السَّمرقنديّ، عرفه رجل من الترك فأجاره؛ واستُشهد حُليس بن غالب الشيبانيّ، فقال رجل من العرب: الحمد لله؛ استُشهد حُلَيس، ولقد رأيته يرمي البيت أيام الحجاج ويقول: درّى عُقاب، بلبن وأخشاب؛ وامرأة قائمة، فكلّما رمى بحَجر قالت المرأة: يا ربّ بي ولا ببيتك! ثم رُزق الشهادة.
وانحاز المهلَّب بن زياد العجليّ في سبعمئة ومعه قريش بن عبد الله العبديّ إلى رُستاق يسمى المرغاب؛ فقاتلوا أهل قَصْر من قصورهم؛ فأصيب المهلّب بن زياد، وولَّوا أمرهم الوجَف بن خالد، ثم أتاهم الأشكند صاحب نَسف في خَيل ومعه غوزك، فقال غوزك: يا وَجَف، لكم الأمان، فقالت قريش: لا تثقوا بهم؛ ولكن إذا جنّنا الليل خرجنا عليهم حتى نأتي سَمَرقند؛ فإنا إن أصبحنا معهم قتلونا.
قال: فعصوْه وأقاموا، فساقوهم إلى خاقان؛ فقال: لا أجيز أمان غَوْزك، فقال غوزك للوجَف: أنا عبد لخاقان من شاكر يّتذه، قالوا: فلمَ غرزتنا؟ فقاتلهم الوجف وأصحابه، فقُتلوا غير سبعة عشر رجلًا دخلوا الحائط. وأمسوا، فقطع المشركون شجرة فألقوْها على ثلمة الحائط؛ فجاء قريش بن عبد الله العبديّ إلى الشجرَة فرمى بها؛ وخرج في ثلاثة فباتوا في ناووس فكمنوا فيه وجبن الآخرون فلم يخرجوا، فقتلوا حين أصبحوا. وقتل سَوْرة؛ فلما قُتل خرج الجنيد من الشِّعب يريد سمرقند مبادرًا، فقال له خالد بن عبيد الله بن حبيب: سِر سر، ومجشّر بن مزاحم السّلميّ يقول: أذكرك الله أقم؛ والجنيد يتقدّم، فلما رأى المجشِّر ذلك نزل فأخذ بلجام الجنيد، فقال: والله لا تسير ولتنزلنّ طائعًا أو كارهًا، ولا ندعك تُهلكنا بقول هذا الهجريّ. انزل. فنزل ونزل الناس فلم يتتامّ نزولهم حتى طلع الترك، فقال المجشّر: لو لقونا ونحن نسير، ألم يستأصلونا! فلما أصبحوا تناهضوا، فانكشفت طائفة، رجال الناس، فقال الجنيد: أيّها الناس؛ إنها النّار؛ فتراجعوا، وأمر الجنيد رجلًا فنادى: أيّ عبد قاتَلَ فهو حرٌ؛ فقاتل العبيد قتالًا شديدًا عجب الناس منه؛ جعل أحدهم يأخذ اللِّبد فيجوبه ويجعله في عنقه، يتوقَّى به. فسر الناس بما رأوْا من صبرهم، فكرّ العدوّ، وصبر الناس