حتى انهزم العدوّ، فمضوا، فقال موسى بن النعر للناس: أتفرحون بما رأيتم من العبيد! والله إن لكم منهم ليومًا أرْوَنان. ومضى الجُنيد فأخذ العدوّ رجلًا من عبد القيس فكتفوه، وعلّقوا في عنقه رأس بلعاء العنبريّ بن مجاهد بن بلعاء؛ فلقيه الناس فأخذ بنو تميم الرأس فدفنوه، ومضى الجُنيد إلى سَمرقند؛ فحمل عيال مَن كان مع سَوْرة إلى مَرْو، وأقام بالسُّغْد أربعة أشهر؛ وكان صاحبَ رأي خراسان في الحرب المجشِّر بن مزاحم السُّلميّ وعبد الرحمن بن صبح الخَرَقيّ وعبيد الله بن حبيب الهجريّ، وكان المجشِّر يُنزل الناس على راياتهم، ويضع المسالح ليس لأحد مثل رأيه في ذلك، وكان عبد الرحمن بن صبح إذا نزل الأمر العظيم في الحرب لم يكن لأحد مثل رأيه؛ وكان عبيد الله بن حبيب على تعبئة القتال، وكان رجال من الموالي مثل هؤلاء في الرأي والمشورة والعلم بالحرب؛ فمنهم الفضل بن بسّام مولى بني ليث وعبد الله بن أبي عبد الله مولى بني سليم والبَختريّ بن مجاهد مولى بني شيبان.
قال: فلما انصرف الترك إلى بلادهم بعث الجُنيد سيفَ بن وصّاف العجليّ من سَمرقند إلى هشام، فجبُن عن السير وخاف الطريق، فاستعفاه فأعفاه؛ وبعث نهار بن تَوْسعة أحد بني تيم اللات وزُمَيل بن سُوَيد المرِّيّ؛ مرّة غطفان. وكتب إلى هشام: إن سَوْرة عصاني، أمرتُه بلزوم الماء فلم يفعل، فتفرّق عنه أصحابه، فأتتني طائفة إلى كِسّ، وطائفة إلى نَسَف، وطائفة إلى سَمرقند، وأصيب سورة في بقيّة أصحابه.
قال: فدعا هشام نهارَ بن توسعة، فسأله عن الخبر فأخبره بما شهد، فقال نهار بن توسعة:
لعمرُكَ ما حابَيتني إذْ بَعَثتَني ... ولكنَّما عَرّضتني للمَتَالفِ
دعوتَ لها قومًا فهابوا ركوبَها .. وكنتُ امْرأ رَكَّابة للمَخاوف