للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال فلم يلبث إلا قليلًا حتى جاء كتاب يوسف من العراق قد قدمها وذلك في جمادى الآخرة سنه عشرين ومئة (١).

وذكر الهيثم بن عديّ، عن ابن عياش، أنّ هشامًا أزمع على عَزْل خالد، وكان سبب ذلك أنه اتخذ بالعراق أموالًا وحفر أنهارًا؛ حتى بلغت غَلته عشرين ألف ألف؛ منها نهر خالد، وكان يُغل خمسة آلاف ألف وباجَوّى وبارُمّانا والمبارك والجامع وكُورة سابور والصِّلح، وكان كثيرًا ما يقول: إنني والله مظلوم؛ ما تحت قدميّ من شيء إلا وهو لي -يعني أن عمر جعل لبجيلة ربع السواد (٢).

وكان هشام حسودًا متيقظًا، فبلغه ذلك فأحفظه، وأصرّ عليه فكلّم خالدًا أخلاؤه وصنائعه العُريان بن الهيثم، وبلال بن أبي بُردة، وغيرهما. فقالوا: نشيرُ عليك برأي قد أصبناه ورأيناه صوابًا، فيه دوام نعمتك، وكبت أعاديك. قال: وما هو؟ قالوا: قد بلغنا عن أمير المؤمنين هشام ما غمّنا من سؤاله وقتًا بعد وقتٍ عن غلاتك وأموالك، فاكتب إليه فاعرض عليه أموالك. فقال: والله ما يعارضني شكٌّ في نصيحتكم، ولكني - والله - لا أعطي الدنيّة، ولا أخرج عن يدي درهمًا قسرًا فما فوقه أبدًا. قالوا: فإن هشامًا أعذر منك، ولّاك ولا تملك شيئًا، وقد عرفت شرهه وحرصك، فإن هو قبض ما تعرض عليه فعلينا جمعه لك ثانية، فلما كان في سنة تع عشرة ومئة كتب إليه هشام: بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فقد بلغ أمير المؤمنين عنك أمرٌ لم يحتمله منك إلا لِما أحبَّ


(١) عمر هو ابن شبة ثقة وشيخه علي المدائني صدوق وبشر بن عيسى ذكره ابن حبان في الثقات أما أبوه فلم نجد له ترجمة وخبر عزل خالد وتولية يوسف العراق متفق عليه عند المؤرخين المتقدمين والمتأخرين كما سبق وسنذكر بعد قليل ما يؤيده والله أعلم.
(٢) الهيثم بن عدي متروك ولكن توبع فيه فقد أخرجه البلاذري قال حدثنا العمري (حفص بن عمر) عن ابن عياش به [البلاذري ٩/ ٣٧١٢] ولعلّ أصحّ رواية في الباب هو ما أخرجه المؤرخ الثقة: الزبير بن بكار المتوفى (سنة ٢٥٦ هـ) قال حدثني أبو الحسن المدائني (صدوق) عن قحذم مولى آل أبي بكرة (ذكره ابن حبان في الثقات ولم نعلم فيه جرحًا) وكان قحذم كاتبًا ليوسف بن عمر قال: لما ولي خالد بن عبد الله القسري العراق اتخذ أموالًا وضياعًا، وحفر أنهارًا، فكان يستغل عشرين ألف ألف درهم بالعراق، منها نهر خالد، وكان يغلّ خمسة آلاف ألف درهم، والجامع، والمبارك ولؤبة سابور، والصلح.

<<  <  ج: ص:  >  >>