من رب صنيعته قبلك، واستتمام معروفه عندك، وكان أمير المؤمنين أحق من استصلح ما فسد منك، فإن تعُدْ لمثل مقالتك وما بلغ أمير المؤمنين عنك، رأى في معاجلتك بالعقوبة رأيه، إنّ النعمة إذا طالت بالعبد ممتدة أبطرته، فأساء حمل الكرامة، واستغل النعمة، ونسب ما في يده إلى جبلته وبيته ورهطه وعشيرته، فإذا نزلت به الغير، وانكشط عنه عماية الغنى والسلطان، ذل منقادًا وندم قسرًا، وتمكّن منه عدوه قادرًا عليه، قاهرًا له، ولو أراد أمير المؤمنين إفسادك لجمع بينك وبين من شهد فلتات خطلك، وعظيم زللك، حيث تقول لجلسائك: والله ما زادني العراق رفعةً ولا شرفًا ولا ولّاني أمير المؤمنين شيئًا لم يكن مَنْ كان قبلي ممّن هو دوني يلي مثله. ولو ابتليت ببعض مقاوم الحَجّاج أهل العراق في تلك المضايق بمثل الجماعات التي لَقي، لعلمتَ أنك من بَجيلة، ولقد خرج عليك أربعون رجلًا فغلبوك على بيت مالك وخزائنك، فما استطعتم إلا بأمانٍ، ثم أخفرتَ ذِمّتك، فيهم رزين وأصحابه، ولعمري لو حاول أمير المؤمنين مكافأتك بلفظ في مجلسك، وجحودك فضله عليك في تصغير عظيم ما أنعمَ به عليك، فحلَّ العقدة، ونقض الصنيعة، وردَّك إلى منزلة أنت أهلها، لكنتَ له مستحقًّا، ولقد حشدَ جدُّك يزيد بن أسد مع معاوية يوم صفّين، وعرض دينه ودمه فما اصطنع إليه، ولا ولّاه ما اصطنع إليك أمير المؤمنين وولّاك، وقِبَلَه من أشراف أهل اليمن والبيوتات مَنْ قبيلتُه أكرم من قبيلتك من كندة وغسّان وآل ذي يَزن وذي كلاع وذي رُعَين في نظرائهم من بيوتات قومهم، كلُّهم أكرم أوليّة، وأشرف أسلافًا من آل عبد الله بن يزيد. ثم آثرك أمير المؤمنين بولاية العراق، بلا بيت عظيم، ولا شرف قديم ولَهذه البيوت تغمرك وتعلوك، وتُسكتك وتتقدمك في المحال والمجامع عند ابتداء الأمور وأبواب الخلفاء. ولولا ما أحبّ أمير المؤمنين من ردّ غربك لعاجلك بالتي كنتَ أهلها، وإنها لقريبٌ منك مأخذها، سريع مكروهها، فمنها - إن اتّقى الله أمير المؤمنين - زوال نعمة الله عليك، وحلول نقمته بك، فيما صنعت وارتكبت بالعراق من أهله، واستعانتك باليهود والنصارى والمجوس، تولِّيهم أموال المسلمين وخراجَهم، وتسلّطهم عليهم، نزعَ بك إلى ذلك عرق سوءٍ من التي قامت عنك، فبئس الجنين أنت عُديّ نفسه، وإن الله لما رأى إحسان أمير المؤمنين إليك وسوءَ قيامك بشكره، قلب قلبه لك فأسخطه عليك، حتى قبحت أمورك عنده، وآيسه