ثم قال: يا إبراهيم قد أبيت إلا فقهًا، لقد رضينا عنك ووافيناك (تهذيب الحلية ٢/ ١٩٥ / تر ٣٢١). وقبل أن نغادر هذه المسألة نقول: ليس هذا فقط من صنف العلماء وإنما كان من بين قواده وأمراءه وخاصة (أقاربه) من يعينه على الحق كخاله وأخيه (مسلمة) وأخيه الآخر محمدًا فمسلمة كان قائدًا شجاعًا صالحًا شديدًا على أعداء الخلافة الإسلامية. وكثير من القادة والعلماء كانوا يسمعون ويطيعون للخليفة هشام ومن قبله يزيد وعمر بن عبد العزيز وسليمان ولكن في طاعة الله فإذا أمر بمعصية لم يسمعوا له بل أنكروا عليه ولكن بالحجة واللسان دون اللجوء إلى السيف الذي طالما فرّق الجماعة وأحدث جراحات في الأمة وكان هذا دأب كثير من أئمة المسلمين كمحمد بن الحنفية وابن عباس وأنس بن مالك رضي الله عنهم ومن بعدهم الحسن البصري وغير واحد فالحسن البصري والشعبي عندما سألهما والي العراق في عهد يزيد هل ينفذ أوامر الخليفة بحذافيرها أم يسمع له في المعروف والحق فقط فأشارا عليه بالسمع في الطاعة فقط فإن يزيدًا لا يملك له عند الله شيئًا ولا يغني عنه. وأمر الله أولى بالاتباع فقد أخرج البلاذري من طريق المدائني عن المفضل بن فضالة قال بعث ابن هبيرة إلى الحسن والشعبي فاجتمعا عنده فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك عبد من عباد الله أخذ عهده لهم وأعطوه عهودهم أن يسمعوا له ويطيعوا، وإنه يأتيني منه أمور لا أجد من إنفاذها بُدًّا، والحسن ساكت فقال له لما بقول يا أبا سعيد؟ قال: إنّ الله مانعك من يزيد وإن يزيدًا غير مانعك من الله، وإنه يوشك أن ينزل بك أمر من السماء فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك فلا يوسعه إلا عملك، يابن هبيرة إني أنهاك عن الله أن تتعرض له، فإن الله إنما جعل السلطان ناصرًا لدين الله وعباده فلا تركبوا عباد الله بسلطان الله فتذلوهم، وإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. [كتاب جمل من أنساب الأشراف ٨/ ٣٤٦٢]. ورواية أخرى أخرجها الكندي المصري (أبو عمر) قال: حدَّثنا أبو بشر الدُولابيّ قال: حدَّثني معاوية بن صالح الأشعري قال: أخبرني منصور بن أبي مُزاحم قال: سمعت أبا عبد الله يقول: ولَّى هشام أخاه محمدًا مصر فقال له: أنا أليها على أنك إن أمرتني بخلاف الحقّ تركتُها. فقال: ذلك لك، فوليها شهرًا فأتاه كتاب لم يعجبه فرفض العمل وانصرف إلى الأردن وكان منزله بها في قرية يقال لها ريسون فكتب: أتترك مصر لريسون حسرة ستعلم يومًا أيّ بيعتك إربح قد أدرك هشام مثل هذا. فأجابه محمد: إنّي لست أشكّ في أن أربح البيعتين ما صنعت [كتاب الولاة والقضاة / ٧٣]. =