للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مدينة مَرْو، قال نصر لأصحابه: أرى هذا الرجل قد قويَ أمره، وقد سارع إليه الناس، وقد وادعتُه وسيتمّ له ما يريد؛ فاخرجوا بنا عن هذه البلدة وخلُّوه، فاختلفوا عليه، فقال بعضهم: نعم، وقال بعضهم: لا، فقال: أما أنكم ستذكرون قولي. وقال لخاصته من مضر: انطلقوا إلى أبي مسلم فالقوْه، وخذوا بحظّكم منه، وأرسل أبو مسلم إلى نَصْر لاهز بن قريظ يدعوه فقال لاهز: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} وقرأ قبلها آيات، ففطن نصر، فقال لغلامه: ضع لي وضوءًا؛ فقام كأنه يريد الوضوء، فدخل بستانًا وخرج منه، فركب وهرب (١).

وقال عليّ: وأخبرنا أبو الذيّال، قال: أخبرنِي إياس بن طلحة قال: كنت مع أبي وقد ذهب عمِّي إلى أبي مسلم يبايعه، فأبطأ حتى صلَّيتُ العصر والنهار قصير؛ فنحن ننتظره؛ وقد هيَّانا له الغداء؛ فإني لقاعد مع أبي إذ مرّ نصر على بِرْذَون، لا أعلم في داره بِرْذَونًا أسرى منه، ومعه حاجبه والحكَم بن نُميلة النميريّ. قال أبي: إنه لهارب ليس معه أحد، وليس بين يديه حرْبة ولا راية، فمرّ بنا، فسلم تسليمًا خفيًّا، فلما جازَنا ضَرَب بِرْذوْنه، ونادى الحكم بن نميلة غلمَانه، فركبوا واتبعوه (٢).

قال عليّ: قال أبو الذّيال: قال إياس: كان بين منزلنا وبين مرو أربعة فراسخ، فمرّ بنا نصر بعد العتَمة، فضجّ أهل القرية وهربوا، فقال لي أهلي وإخواني: اخرج لا تُقْتَل؛ وبكوْا؛ فخرجت أنا وعمّي المهلب بن إياس فلحقْنا نصرًا بعد هدء الليل؛ وهو في أربعين، قد قام برذْونه، فنزل عنه، فحمله بشر بن بسْطام بن عمران بن الفضل البُرْجمِيّ على بِرْذَوْنه، فقال نصر: إني لا آمن الطَّلَب، فمن يسوق بنا؟ قال عبد الله بن عرعرة الضّبَيّ: أنا أسوق بكم، قال: أنت لها، فطرد بنا ليلتَه حتى أصبحنا في بئر في المفازة على عشرين فرسخًا أو أقل، ونحن ستمئة؛ فسرْنا يومَنا فنزلنا العصر، ونحن ننظر إلى أبيات سَرَخْس


(١) هذا إسناد متعدد المخارج وكلاهما (أبو الذيال والضبي) قد عاصرا تلك المرحلة ولكن لم يشاهدا تلك الأحداث رأي العين وإنما التقوا بشهود عيان كإياس وغيره وهذه روايات من مظان الصحيح بمجموعها ولم نجد فيها نكارة والله أعلم.
(٢) المدائني صدوق وقد اطلع الطبري على مدوناته، وهو يروي الخبر عن شيخه الصدوق زهير بن هنيد (أبي الذيال) عن إياس الذي شهد الحادثة؛ أي أنه ترقى إلى شاهد عيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>