للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= يقول العلامة المؤرخ ابن خلدون رحمه الله تعالى في مقدمته وهو يتحدث عن توالي خلفاء بني أمية وأحوالهم (ثم تدرج الأمر في ولد عبد الملك وكانوا من الدين بالمكان الذي كانوا عليه وتوسطهم عمر بن عبد العزيز فنزع إلى طريقة الخلفاء الأربعة والصحابة جهده ولم يهمل ثم جاء خلفهم واستعملوا طبيعة الملك في أغراضهم الدنيوية ومقاصدهم ونسوا ما كان عليه سلفهم من تحري القصد فيها واعتماد الحق في مذاهبها فكان ذلك مما دعا الناس إلى أن نعوا لأفعالهم وأدالوا بالدعوة العباسية فيهم وولي رجالها الأمر فكانوا من العدالة بمكان وصرفوا الملك في وجوه الحق ومذاهبه ما استطاعوا حتى جاء بنو الرشيد من بعده فكان منهم الصالح والطالح (المقدمة / ٩٩).
فهذا كلام العلامة ابن خلدون يبيّن أن الناس نصروا الدعوة بقيادة بني العباس وساعدوهم لاستلام دفة الحكم الإسلامي لأنهم شعروا بأن بعض الخلفاء من بني أمية أخذوا يبتعدون شيئًا فشيئًا عن سيرة الخلفاء الراشدين والخليفة الجليل معاوية بن أبي سفيان وإن كان من بينهم من طغى عمله الصالح على غير ذلك كسليمان ومن بعده عمر بن عبد العزيز الذي بلغ أفقًا ساميًا في العدل ومن ثم يزيد بن عبد الملك، وهشام، ويزيد الملقب بالناقص.
٢ - إن حركات الخروج المسلحة على اختلاف مشاربها قد أنهكت قوى الخلافة واستنزفت طاقاتها وهدرت أموالها العامة وأضرت بالأمة حكامًا ومحكومين وكل ذلك عامل آخر يضاف إلى بقية العوامل والأسباب.
٣ - ولقد مارس بعض الخلفاء مخالفات شرعية كالوليد بن يزيد الملقب بالفاسق، فتعاونت الأمة فيما بينها وبقيادة بني أمية أنفسهم فأطاحوا به ونصبوا يزيد خليفة من بعده لظهور تنسكه وتدينه، ولكن الأمر ازداد سوءًا بعد وفاة يزيد هذا، فاستكمل الظلم حلقاته فكان أن نزع الله الملك من بني أمية وآتاه بني العباس مصداقًا لقوله تعالى: { ... تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ ... }.
٤ - إن ابتعاد الأمويين (في أكثر الأحيان) عن نظام الشورى فيما يتعلق باختيار الخليفة كان له الأثر الكبير في مسار الخلافة وولد هذا الابتعاد كما يقول أستاذنا الفاضل عماد الدين خليل (كثيرًا من ردود الأفعال وبالتالي من حركات المعارضة المسلحة والسلمية والتي استنفذت من جسد الأمة الإسلامية الكثير من العناء والدماء بل إن بعضها تحول إلى تعصب مذهبي وصل حد الإنغلاق في عدائه مع خصومه) [تحليل للتاريخ الإسلامي / ٣٧].
٥ - وأخيرًا فإن الهرم سبب طبيعي جعله الله بداية النهاية للأفراد والجماعات على حدّ سواء وإذا أصيبت دولة بالهرم فلا ينفع معها إصلاح الحكام المتأخرين كما حصل ليزيد الناقص سنة ١٢٦ هـ والذي سنتحدث عنه فيما بعد، ولقد عقد العلامة ابن خلدون فصلًا في مقدمته وهو الفصل السادس والأربعون يبين فيه أن الهرم إذا نزل بدولة لا يرتفع عنها، وإذا كان الهرم طبيعيًا في الدولة كان حدوثه بمثابة حدوث الأمور الطبيعية، فالهرم من الأمراض المزمنة =

<<  <  ج: ص:  >  >>