ويقول ابن خلدون في نهاية هذا الفصل: (وربما عند آخر الدولة قوة تتوهم أن الهرم قد ارتفع عنها ويومض ذبالها إيماضة الخمود كما يقع في الذبال المشتعل فإنه عند مقاربة انطفائه يومض إيماضة توهم أنها اشتعال وهي انطفاء فاعتبر ذلك، ولا تغفل سر الله تعالى وحكمته في إطراد وجوده على ما قدر فيه ولكل أجل كتاب. (المقدمة / ٢٧٥). ورحم الله المراغي المفسر وهو يفسر آية عظيمة من القرآن الكريم فيها سنة من السنن التأريخية التي تمثل أصلًا من أصول التفسير الإسلامي للتأريخ، ألا وهو قوله تعالى في سورة آل عمران: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاولُهَا بَينَ النَّاسِ}، قال المراغي: أي وتلك الأيام نداولها بين الناس ليقوم بذلك العدل ويستقر النظام ويعلم الناظر في السنن العامة والباحث في الحكم الإلهية أنه لا محاباة في هذه المداولة ا. هـ (تفسير المراغي ٤/ ٨٠). أما بقية الأسباب الآتية الذكر عن نجاح الدعوة التغييرية الجديدة فهي تتعلق ببني العباس: ٦ - لقد رفع بنو العباس شعار (الرضا من آل محمد) وبذلك استطاع دعاة بني العباس أن يجمعوا عددًا كبيرًا من الوجهاء والقادة والعلماء حولهم - ولا داعي إلى البحث عن عوامل لم يكن لها ذكر يومها كالأحقاد الفارسية والتعصب القومي وما إلى ذلك من أقاويل المستشرقين. وقد بينا في قسم الصحيح أن الجيش الذي زحف من خراسان بقيادة قحطبة بن شبيب كان يتألف من عشرات الآلاف من الفاتحين من القبائل العربية التي لحقت بجيش الفتح الإسلامي بالإضافة إلى أهالي خراسان المتكونين من التركمان الفرس والعرب، ولعل البعض يتصور أن خراساني تعني فارسي وقد رد هذه الشبهة العلامة شاكر رحمه الله في موسوعته التأريخية ويؤيد ذلك ما ذكره الطبري من وجود آلاف من جنود الشام والعراق والحجاز الذين رابطوا في أراضي خراسان وما تاخمها وخاضوا معارك شرسة ضد الترك والسغد وفتح الله على أيديهم بلدانًا كثيرة، ثم شاركوا في هذا التغيير الجديد وعلى أية حال لا داعي لتحميل النصوص التأريخية أكثر مما تحتمل فالأمة يومها ما كانت تعرف التعصب للفارسية، أو العربية، أو التركية بل كان شعارها {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ولكن من لا يفهم التفسير الإسلامي للتأريخ يحاول أن يلوي أعناق الروايات كي يفسر ذلك التاريخ تفسيرًا ماديًا فتبدو تلك الصورة الوضاءة مشوهة بعيدة عن الحقيقة. ٧ - لقد أبدى دعاة بني العباس وقادتهم بساطة وتواضعًا هو من صلب الخلق الإسلامي، قال ابن خلدون: وكان أبو مسلم ليس له حرس ولا حجاب ولا غلظة الملك فكان الناس يأسون بذلك (٣/ ١٤٧). ٨ - إن أئمة أهل السنة منذ القدم يكنون لآل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبًّا خاصًا وتقديرًا ليس =