بعد الحصار إلا القتل، فأبى، وكان يخاف مروان لأنه كان يكتب إليه في الأمر فيخالفه؛ فخافه إن قدم عليه أن يقتله، فأتى واسطًا فدخلَها، وتحصّن بها.
وسرّح أبو سلمة الحسن بن قحطبة، فخندق الحسن وأصحابه، فنزلوا فيما بين الزّاب ودِجْلة؛ وضرب الحسن سرادقَه حِيال باب المضْمار، فأوّل وقعة كانت بينهم يوم الأربعاء، فقال أهل الشأم لابن هبيرة: ائذن لنا في قتالهم، فأذن لهم، فخرجوا وخرج ابنُ هبيرة، وعلى ميمنته ابنه داود، ومعه محمد بن نباتة في ناس من أهل خراسان، فيهم أبو العوْد الخراسانيّ، فالتقوْا وعلى ميمنة الحسن خازم بن خزيمة، وابن هبيرة قبالة باب المضمار، فحمل خازم على ابن هُبيرة فهزموا أهل الشأم حتى ألجؤوهم إلى الخنادق، وبادر الناس باب المدينة حتى غصّ باب المضمار، ورمى أصحاب العرّادات بالعرّادات والحسن واقف، وأقبل يسير في الخيل فيما بين النهر والخندق، ورجع أهل الشأم، فكرّ عليهم الحسن، فحالوا بينه وبين المدينة، فاضطروهم إلى دجلة، فغرِق منهم ناس كثير فتلقّوههم بالسفن، فحملوهم، وألقى ابن نباتة يومئذ سلاحه واقتحم، فتبعوه بسفينة فركب وتحاجزوا، فمكثوا سبعة أيام، ثم خرجوا إليهم يوم الثلاثاء فاقتتلوا، فحمل رجل من أهل الشام كلى أبي حفص هزار مرد، فضربه وانتمى: أنا الغلام السُّلَميّ، فضربه أبو حفص وانتمى: أنا الغلام العتكيّ، فصرعه، وانهزم أهل الشأم هزيمة قبيحة، فدخلوا المدينة، فمكثوا ما شاء الله لا يقتتلون إلا رميًّا من وراء الفصيل.
وبلغ ابنَ هبيرة وهو في الحصار أنّ أبا أميّة التغلبيّ قد سوّد، فأرسل أبا عثمان إلى منزله، فدخل على أبي أمية في قُبّته، فقال: إنّ الأمير أرسلني إليك لأفتّش قبتك، فإن كان فيها سواد علقته في عنقك وحبلًا، ومضيت بك إليه؛ وإن لم يكن في بيتك سواد فهذه خمسون ألفًا صلة لك، فأبى أن يدَعه أن يفتشى قبّته، فذهب به إلى ابن هبيرة فحبسه، فتكلم في ذلك معن بن زائدة وناس