فكتب أبو مسلم إلى أبي العباس: إنّ الطريق السهل إذا ألقيت فيه الحجارة فسَد؛ لا والله لا يصلح طريق فيه ابن هبيرة.
ولما تمّ الكتاب خرج ابنُ هبيرة إلى أبي جعفر في ألف وثلثمئة من البخاريّة؛ فأراد أن يدخل الحجرة على دابته، فقام إليه الحاجب سلّام بن سليم، فقال: مرحبًا بك أبا خالد! انزل راشدًا؛ وقد أطاف بالحجرة نحو من عشرة آلاف من أهل خراسان، فنزل، ودعا له بوسادة ليجلس عليها، ثم دعا بالقوّاد فدخلوا، ثم قال سلّام: ادخل أبا خالد؛ فقال له: أنا ومن معي؟ فقال: إنما استأذنتُ لك وحدك، فقام فدخل، ووضِعتْ له وسادة، فجلس عليها، فحادثه ساعة، ثم قام وأتبعه أبو جعفر بصرَه حتى غاب عنه؛ ثم مكث يقيم عنه يومًا، ويأتيه يومًا في خمسمئة فارس وثلثمئة راجل؛ فقال يزيد بن حاتم لأبي جعفر: أيّها الأمير، إنّ ابن هبيرة ليأتي فيتضعضع له العسكر، وما نقص من سلطانه شيء، فإذا كان يسير في هذه الفرسان والرّجالة، فما يقول عبد الجبار وجهور؟ ! فقال أبو جعفر لسلام: قل لابن هُبيرة يدع الجماعة ويأتينا في حاشيته [نحوًا من ثلاثين].
فقال له سلّام ذلك، فتغير وجهه، وجاء في حاشيته نحوًا من ثلاثين، فقال له سلّام: كأنك تأتي مباهيًا! فقال: إن أمرتم أن نمشي إليكم مشينا، فقال: ما أردنا بك استخفافًا، ولا أمرَ الأمير بما أمر به إلا نظرًا لك؛ فكان بعد ذلك يأتي في ثلاثة (١).
(١) لم نذكر هذه الرواية في قسم الصحيح لنجزم بصحة التفاصيل الواردة فيها وإنما لتأكيد أصل الخبر من حدوث المفاوضات ومشي السفراء بين ابن هبيرة وأبي جعفر حتى تم الصلح ثم نكث الطرف الثاني بعهده وقتل ابن هبيرة ومن معه من قواده وقد ذكر خليفة بن خياط بسنده الموصول إلى من شهد هذه المرحلة (وأعني تحصّن ابن هبيرة بواسط وقتاله ضد جيوش الحسن بن قحطبة وأبي جعفر ثم جريان الصلح وأخيرًا قتل ابن هبيرة ومن معه وقد أخرج خليفة كل ذلك من طريق شيخه محمد بن معاوية عن بيهس بن حبيب: =