للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للخبر الذي ذكرت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[قبل]، أنه قال: أول شيء خلق اللهُ القلم. (١). (١: ٣٤).

قيل: أما قولُ ابن عباس: إن الله تبارك وتعالى كان عرشه علي الماء قبل أن يخلق شيئًا، فكان أول ما خلق الله القلم -إن كان صحيحًا عنه أنه قاله- فهو خبرٌ منه أن الله خلق القلم بعد خلقه عرشه، وقد رَوَي عن أبي هاشم هذا الخبر شعبةُ، ولم يقل فيه ما قال سفيان؛ من أن الله عزّ وجلَّ كان علي عرشه، فكان أول ما خلق القلم، بل روي ذلك كالذي رواه سائر من ذكرنا من الرواة عن ابن عباس أنه قال: أول ما خلق الله عزَّ وجلَّ القلم (٢). (١: ٣٥).

وكذلك قولَ ابن إسحاق الذي ذكرناه عنه معناه أنّ الله خلق النورَ والظلمة بعد خلقه عرشه، والماء الذي عليه عرشه. وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي رويناه عنه أوْلى قول في ذلك بالصواب، لأنه كان أعْلَم قائل في ذلك قولًا بحقيقته وصحته، وقد روينا عنه - عليه السلام - أنه قال: "أولُ شيء خلقه الله عزّ وجلّ القلم" من غير استثناء منه شيئًا من الأشياء أنه تقدّم خلق الله إياه خلق القلم، بل عمّ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أول شيء خلقه الله القلم"، كلَّ شيء، وأن القلم مخلوق قبله من غير استثنائه من ذلك عرشًا ولا ماء ولا شيئًا غيرَ ذلك.

فالرواية التي رويناها عن أبي ظَبْيان وأبي الضّحى، عن ابن عباس، أوْلى بالصحة عن ابن عباس من خبر مجاهد عنه الذي رواه عنه أبو هاشم؛ إذ كان أبو هاشم قد اختلف في رواية ذلك عنه شعبة وسفيان، علي ما قد ذكرت من اختلافهما فيها.

أما ابن إسحاق فإنه لم يسند قولهُ الذي قاله في ذلك إلي أحد، وذلك من الأمور التي لا يدرَكُ علمها إلا بخبر من الله عزَّ وجلَّ، أو خبر من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكرت الرواية فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٣). (١/ ٣٥ - ٣٦).


(١) هذا ترجيح الطبري وسنذكر ما رجحه ابن كثير وابن حجر وما نسب إلي الجمهور والله أعلم.
(٢) سنناقش رأي الطبري هذا في نهاية الباب.
(٣) صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>