فعلى هذا خرجتُ من عنده، قتلتُ من قتلت. فقام أبو غانم الطائيّ وخُفاف المروروذيّ في عدّة من قوّاد أهل خُراسان، فشهدوا له بذلك؛ فبايعه أبو غانم وخُفاف وأبو الأصبغ وجميعُ مَنْ كان معه من أولئك القوّاد، فيهم حُمَيد بن قَحْطبة وخُفاف الجرجانيّ وحيّاش بن حبيب ومخارق بن غِفار وتُرَارخُدا وغيرهم من أهل خُراسان والشام والجزيرة، وقد نزل تلّ محمد، فلما فرغ من البَيعة ارتحل فنزل حَرّان، وبها مُقاتل العكيّ -وكان أبو جعفر استخلفه لما قدم على أبي العباس- فأراد مقاتلًا على البيعة فلم يجبْه، وتحصّن منه، فأقام عليه وحصره حتى استنزله من حِصْنه فقتله.
وسرّح أبو جَعفر لقتال عبد الله بن عليّ أبا مسلم، فلما بلغ عبدَ الله إقبالُ أبي مسلم أقام بحرّان، وقال أبو جعفر لأبي مسلم: إنما هو أنا أو أنت؛ فسار أبو مسلم نحو عبد الله بحَرّان، وقد جمع إليه الجنود والسلاح، وخندق وجمع إليه الطعام والعلوفة وما يصلحه، ومضى أبو مسلم سائرًا من الأنبار؛ ولم يتخلَّف عنه من القوّاد أحدٌ، وبعث على مقدمته مالك بن الهيثم الخزاعيّ؛ وكان معه الحسن وحميد ابنا قحطبة، وكان حميد قد فارق عبد الله بن عليّ، وكان عبد الله أراد قتله، وخرج معه أبو إسحاق وأخوه وأبو حُميد وأخوه وجماعة من أهل خراسان، وكان أبو مسلم استخلف على خراسان حيث شخص خالد بن إبراهيم أبا داود (١).
قال عليّ: قال هشام بن عمرو التّغلبيّ: كنت في عسكر أبي مسلم، فتحدّث الناس يومًا، فقيل: أي الناس أشدّ؟ فقال: قولوا حتى أسمع، فقال رجل: أهل خراسان، وقال آخر: أهل الشأم، فقال أبو مسلم: كلّ قوم في دولتهم أشدّ الناس، قال: ثم التقينا، فحمل علينا أصحاب عبد الله بن عليّ فصدمونا صدمةً
(١) سبق أن تحدثنا عن هذا الإسناد وسنتحدث عن شواهد هذا الخبر بعد انتهائنا من سرد روايات الطبري في الباب.