أزالونا بها عن مواضعنا، ثم انصرفوا، وشدّ علينا عبد الصمد في خيل مجرّدة، فقتل منا ثمانية عشر رجلًا، ثم رجع في أصحابه، ثم تجمعوا فرموْا بأنفسهم: فأزالوا صفّنا وجُلْنَا جَوْلة، فقلت لأبي مسلم: لو حرّكتُ دابتي حتى أشرف على هذا التلّ فأصيح بالناس، فقد انهزموا! فقال: افعل، قال: قلت: وأنت أيضًا فتحرّك دابتك، فقال: إن أهل الحِجَى لا يعطفون دوابهم على هذه الحال، نادِ: يا أهل خُراسان ارجعوا؛ فإن العاقبة لمن اتقى.
قال: ففعلت، فتراجع الناس، وارتجز أبو مسلم يومئذ فقال:
مَنْ كان ينوي أَهله فلا رجَعْ ... فَرَّ من الموت وفي الموت وقَعْ
قال: وكان قد عُمِل لأبي مسلم عريش، فكان يجلس عليه إذا التقى الناس فينظر إلى القتال، فإن رأى خللًا في الميمنة أو في الميسرة أرسل إلى صاحبها: إنّ في ناحيتِك انتشارًا، فاتّق ألّا نؤتَى من قِبَلك؛ فافعل كذا، قدّم خيلك كذا، أو تأخّر كذا إلى موضع كذا، فإنما رسله تختلف إليهم برأيه حتى ينصرف بعضهم عن بعض.
قال: فلما كان يوم الثلاثاء -أو الأربعاء- لسبع خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين ومئة -أو سبع وثلاثين ومئة- التقوْا فاقتتلوا قتالًا شديدًا.
فلما رأى ذلك أبو مسلم مكَر بهم، فأرسل إلى الحسن بن قحطبة -وكان على ميمنته- أن أعْرِ الميمنة، وضُمَّ أكثرها إلى الميسرة، وليكن في الميمنة حماة أصحابك وأشدّاؤهم، فلما رأى ذلك أهلُ الشأم أعرَوْا ميسرتهَم، وانضموا إلى ميمنتهم بإزاء ميسرة أبي مسلم، ثم أرسل أبو مسلم إلى الحسن أن مُرْ أهل القلب فليحملوا مع مَنْ بقي في الميمنة على ميسرة أهل الشأم، فحملوا عليهم فحطموهم، رجال أهل القلب والميمنة.
قال: وركبهم أهلُ خراسان، فكانت الهزيمة، فقال عبد الله بن عليّ لابن سراقة الأزديّ- وكان معه: يابن سراقة، ما ترى؟ قال: أرى والله أن تصبر