للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسدًا وبغيًا؛ يريدون إزالة النعمة وتغييرَها، فلا تفسد ما كان منك؛ وكلّمه، وقال: يا أبا مسلم، إنك لم تزل أمينَ آل محمد؛ يعرفك بذلك الناس، وما ذخر الله لك من الأجر عنده في ذلك أعظم مما أنت فيه من دنياك، فلا تحبطْ أجرَك، ولا يستهوينّك الشيطان. فقال له أبو مسلم: متى كنت تكلِّمني بهذا الكلام! قال: إنك دعوتَنا إلى هذا وإلى طاعة أهل بيت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بني العباس، وأمرتَنا بقتال مَنْ خالف ذلك؛ فدعوتنا من أرَضين متفرّقة وأسباب مختلفة، فجمعنا الله على طاعتهم، وألف بين قلوبنا بمحبّتهم، وأعزّنا بنصرنا لهم، ولم نلق منهم رجلًا إلا بما قذف الله في قلوبنا، حتى أتيناهم في بلادهم ببصائر نافذة، وطاعة خالصة؛ أفتريد حين بلغنا غاية منانا ومنتهى أمَلنا أن تُفسد أمرنا، وتفرّق كلمتنا؛ وقد قلت لنا: مَنْ خالفكم فاقتلوه، وإن خالفتُكم فاقتلوني! فأقبَل على أبي نصر، فقال: يا مالك، أما تسمع ما يقول لي هذا؟ ! ما هذا بكلامه يا مالك! قال: لا تسمع كلامه، ولا يهولنك هذا منه، فلعمري لقد صدقتَ ما هذا كلامه؛ ولَمَا بعد هذا أشدّ منه، فامض لأمرك ولا ترجِعْ فوالله لئن أتيتَه ليقتلنّك؛ ولقد وقع في نفسه منك شيء لا يأمنك أبدًا، فقال: قوموا، فنهضوا فأرسل أبو مسلم إلى نيزك، وقال: يا نيزك، إني والله ما رأيت طويلًا أعقَل منك، فما ترى، فقد جاءت هذه الكتب، وقد قال القوم ما قالوا؟ قال: لا أرى أن تأتيَه، وأرى أن تأتي الرّيّ فتقيم بها، فيصير ما بين خراسان والرّي لك؛ وهم جندُك ما يخالفك أحدٌ، فإن استقام لك استقمت له، وإن أبي كنتَ في جندك، وكانت خراسان من ورائك، ورأيت رأيك، فدعا أبا حميد، فقال: ارجع إلى صاحبك، فليس من رأي أن آتيَه، قال: قد عزمت على خلافه؟ قال: نعم، قال: لا تفعل، قال: ما أريد أن ألقاه، فلما آيسه من الرجوع، قال له ما أمره به أبو جعفر، فوجَم طويلًا، ثم قال: قم، فكَسره ذلك القول ورعّبه.

وكان أبو جعفر قد كتب إلى أبي داود -وهو خليفة أبي مسلم بخُراسان- حين

<<  <  ج: ص:  >  >>