للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارتحل المنصور من الأنْبار فأقبل حتى نزل المدائن، وأخذ أبو مسلم طريق حُلوان، فقال: رُبّ أمرٍ لله حُلوان، وقال أبو جعفر لعيسى بن عليّ وعيسى بن موسى ومَنْ حضره من بني هاشم: اكتبوا إلى أبي مسلم، فكتبوا إليه يعظمون أمره، ويشكرون له ما كان منه، ويسألونه أن يتم على ما كان منه وعليه من الطاعة، ويحذّرونه عاقبة الغدر، ويأمرونه بالرجوع إلى أمير المؤمنين؛ وأن يلتمس رضاه، وبعث بالكتاب أبو جعفر مع أبي حميد المروروذيّ، وقال له: كلم أبا مسلم بأليَن ما تكلِّم به أحدًا، ومنِّه وأعلمه أني رافعه وصانِع به ما لم يصنعه أحد، إن هو صلح وراجع ما أحبّ؛ فإن أبي أن يرجع فقلْ له: يقول لك أمير المؤمنين: لستُ للعباس، وأنا برئ من محمد، إن مضيتَ مشاقًّا، ولم تأتني؛ إن وكلت أمرَك إلى أحد سواي. وإن لم أل طلبك وقتالك بنفسي؛ ولو خُضْتَ البحر لخضتُه، ولو اقتحمت النار لاقتحمتها حتى أقتلك أو أموت قبل ذلك (١) ولا تقولنّ له هذا الكلام حتى تأيس من رجوعه، ولا تطمع منه في خير.

فسار أبو حُميد في ناس من أصحابه ممن يثق بهم؛ حتى قدموا على أبي مسلم بحُلْوان، فدخل أبو حميد وأبو مالك وغيرهما، فدفع إليه الكتاب، وقال له: إنّ الناس يبلّغونك عن أمير المؤمنين ما لم يقله، وخلاف ما عليه رأيه فيه،


(١) في هذه العبارة دسُّ وتحريف ولا نظنّه من قبل مسلمة بن محارب فهو أخباري مأمون ولكنه من قبل غيره من المجاهيل من شيوخ المدائني وهذه سلبية من سلبيات الإسناد المركب عند المؤرخين؛ إذ يخلطون المتون ويركبون أسانيدها فيختلط الحابل بالنابل والصواب أن المنصور قال أنا بريء أو نفيت من العباس وليس فيه ذكر للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -.
لأن المنصور خليفة مسلم صاحب عقيدة يسليمة وإيمان وإن أخطأ في الأزمات والفتن فلا ولم يصل به الحد إلى أن يقول (وأنا بريء من محمد إن لم أقتلك)، وقد أخرج البلاذري عن زهير بن مسيب وغيره أن المنصور كتب كتابًا إلى أبي مسلم لطيفًا مع أبي حميد المروروذي نفيت من العباس لئن مضيت ولم تلقني ولا وكلت أمرك إلى أحد سواي ولو خضت إليك البحر الأخضر حتى أموت أو أقتلك ... إلخ. [أنساب الأشراف / ٣/ ١٩٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>