عود على بدء: والقول الراجح عند الطبري وغيره في هذه المسألة: لقد ذكر الطبري رأيه في هذه المسألة بعد إخراجه لروايات مرفوعة وموقوفة. وخلاصة رأيه أنه يصحح الحديث النبوي الشريف (أول شيء خلقه الله عزَّ وجلَّ القلم). ويقول بأن مفهوم الحديث واضح ودلالته واضحة من غير استثناء شيء من المخلوقات قبل خلقه القلم وأن القلم أول مخلوق من غير استثنائه من ذلك عرشًا ولا ماءً ولا شيئًا غير ذلك، وانظر تاريخ الطبري (١/ ٣٥ - ٣٦). قلنا: والمعروف أن أئمة الحديث علي جلالة قدرهم قد تفوتهم أحاديث وأحاديث ويرويها غيرهم. فقد أخرج البخاري كما أشرنا حديثًا آخر لم يذكره الطبري رحمه الله. وهو حديث عمران بن حصين السابق وفيه (كان الله ولم يكن شيء غيره. وكان عرشه علي الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض) وفي رواية (ثم خلق السموات والأرض) (صحيح البخاري / ح ٣١٩١ / و / ح ٧٤١٨): قلنا: أما الحافظ ابن حجر فقد صار إلي الجمع بين المتعارضين ظاهرًا إذ قال في الفتح عقب الحديث (٣١٩١): وأما أول ما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا (أول ما خلق الله القلم ثم قال: اكتب. فجري بما هو كائن إلي يوم القيامة). فجمع بينه وبين ما قبله بأن أوله القلم بالنسبة إلي ما عدا الماء والعرش أو بالنسبة إلي ما منه صور من الكتابة أي أنه قيل له اكتب أول ما خلق. وحكى أبو العلاء الهمداني أن للعلماء قولين في أيهما خلق أولًا: العرش أو القلم؟ قال: والأكثر على سبق خلق العرش، واختار ابن جرير ومن تبعه الثاني (فتح الباري ٦/ ٤٣٠ / ط. الفكر). وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: والذي عليه الجمهور فيما نقله الحافظ أبو العلاء الهمداني وغيره أن العرش مخلوق قبل ذلك ... ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم. وقال رحمه الله: وقد دلَّ هنا الحديث أن ذلك بعد خلق العرش فثبت تقديم العرش علي القلم =