فأما ما قال ابن إسحاق في ذلك، فإنه إنما استدل -بزعمه- على أن ذلك كذلك؛ لأنّ الله عزّ ذكره فرَغ من خلق جميع خلقه يوم الجمعة، وذلك اليوم السابع، وفيه استوي علي العرش، وجعل ذلك اليوم عيدًا للمسلمين؛ ودليلُه علي ما زعم أنه استدل به علي صحة قوله فيما حكينا عنه من ذلك هو الدليل علي خطئه فيه، وذلك أن الله تعالى أخبر عباده في غير موضع من [محكَم] تنزيله، أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، فقال:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَينَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}. وقال تعالى ذكره {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَينِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَال لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالتَا أَتَينَا طَائِعِينَ (١١) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَينِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢)}.
ولا خلاف بين جميع أهل العلم أن اليومين اللذين ذكرهما الله تبارك وتعالى في قوله:{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَينِ} داخلان في الأيام الستة اللاتي ذكَرَهن قبل ذلك، فمعلوم إذْ كان الله عزَّ وجلّ إنما خلق السموات والأرضينَ وما فيهنَّ في ستة أيام، وكانت الأخبار مع ذلك متظاهرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن آخر ما خلق الله من خلقه آدم، وأن خلقه إياه كان في يوم الجمعة - أن يوم الجمعة الذي فرغ فيه من خلق خلقه داخل في الأيام الستة التي أخبر الله تعالى ذكره أنه خلق خلقه فيهنَّ؛ لأن ذلك لو لم يكن داخلًا في الأيام الستة، كان إنما خلق خلقه في سبعة أيام، لا في ستة، وذلك خلاف ما جاء به التنزيل؛ فتبين إذًا -إذْ كان الأمرُ كالذي وصفنا في ذلك- أن أوَّل الأيام التي ابتدأ الله فيها خلق السموات والأرض وما فيهنّ من خلقه يوم الأحد؛ إذ كان الآخر يوم الجمعة، وذلك ستة أيام، كما قال ربنا جل جلاله.
فأما الأخبارُ الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه بأنّ الفراغ من الخلق كان يوم الجمعة، فسنذكرها في مواضعها إن شاء الله تعالى (١). (١: ٤٥/ ٤٦).