وجزى الله الطبري خيرًا فإنه تعامل مع أخبار سير الخلفاء بصورة مغايرة لأخبار الحج والجهاد والتولية والعزل فهذه أمور تشاهدها جموع غفيرة وأهل كل بلدة يعلمون من الوالي أو القاضي عليهم أما ما يدور من حديث خاص بين الخليفة وفردٍ من رعاياه فلا بد من إسناد لدراسته قبل دراسة المتن لمعرفة صحّة الخبر من ضعفه. ولقد ذكرنا روايتين من روايات الطبري وهما (٨/ ٨٩) و (٨/ ٩٠) فإن لهما متابعات أو شواهد كما ذكر آنفًا. وما سواهما فقد وضعناها في قسم المسكوت عنه والضعيف ولجلاء سيرة المنصور ولو نسبيًا والتعرف على جوانب شخصيته فقد استشهدنا بروايات الخطيب وابن عساكر والبسوي والزبير بن بكار وغيرهم من الأئمة الثقات والله الموفق. الخليفة المنصور - شيء من سيرته ما له وما عليه. أولًا: المنصور يُجِلُّ العلم والعلماء ويرغب في تولية العلماء العاملين أمور البلاد من ولاية وقضاء وغير ذلك: أخرج البسوي قال حدثني شعيب بن الليث قال قال أبي (أي الليث بن سعد الفقيه) ودّعت أبا جعفر أمير المؤمنين ببيت المقدس فقال أعجبني ما رأيت من عقلك ولقد فرحت إذْ أبقى الله في الرعية مثلك -قال شعيب- فقال لي أبي لا تحدّث بهذا عنّي ما دمت حيًّا -قال- وقال أبو جعفر: ألا تنظر لي رجلًا استعمله على مصر ..... الخبر) وفي آخره: فقال (أي المنصور) فما يمنعك أنت؟ قلت (أي الليث) أنا لا أقوى وأنا ضعيف، قال لي: أنت قوي ولكن ضعفت نيتك في العمل لي [المعرفة والتأريخ ٢/ ٤٤١] [تأريخ بغداد ١٣/ ٥]. [سير أعلام النبلاء / ٨/ ١٤٦ / تر ١٢] قلت وهذا إسناد صحيح. ثانيًا: الخليفة المنصور يتقبل نصائح العلماء والعبّاد والزهاد من رعيته ومن حوله من المستشارين الصالحين. =