وقد سبق في قسم الصحيح [٨/ ٩٠] الخبر الدال على قبول الرشيد نصيحة رعيته له على رؤوس الأشهاد من فوق منبر الجمعة. وأخرج القاضي وكيع قال حدثني أبو يعلى قال حدثني الأصمعي قال: كتب أبو جعفر أمير المؤمنين إلى سوّار في شيء كان عنده خلاف الحق فَلَمْ يُنَفِّذ سوار كتابه، وأمضى الحكم عليه فاغتاظ أمير المؤمنين عليه وتوعّده فقيل له: يا أمير المؤمنين إنما عدل سوّار مضاف إليك وتزيين خلافتك فأمسك [أخبار القضاة / ٢٧١]. وهذه الروايات وغيرهما مما سنذكر إن شاء الله في سيرة المهدي والرشيد تؤكد مقولتنا من أن الخليفة يومها كان على رأس حلقة من الحكم الشوروي الجماعي ولم يكن العدل أمرًا متروكًا لمزاج الخليفة كما يزعم البعض. ثالثًا: نزاهة القضاة واستقلالية القضاء عن إدارة الخلافة والإمارة أخرج الإمام المؤرخ الحجة العجلي رحمه الله في كتابه القيم تأريخ الثقات بإسنادٍ عالٍ فقال حدثني أبي (أي عبد الله بن صالح وهو ثقة من التاسعة كما قال ابن حجر في التقريب (تر ٣٤١٠) ولد سنة ١٤١ هـ وتوفي ٢١١ هـ أي أنه عاش في العصر العباسي الأول] كتب أبو جعفر إلى سوار بن عبد الله قاضي البصرة: انظر الأرض التي تخاصم فيها فلان القائد وفلان التاجر، فادفعها إلى فلان القائد، فكتب إليه سوار: إن البينة قد قامت عندي أنها لفلان التاجر، فلست أخرجها من يديه إلا ببيّنة، فكتب إليه أبو جعفر: والله الذي لا إله إلا هو لتدفعنها إلى فلان القائد، فكتب إليه سوار: والله الذي لا إله إلا هو لا أخرجها من يدي فلان التاجر إلا بحق، فلما جاءه الكتاب قال أبو جعفر: ملأتها والله عدلًا، صار قضاتي تردني إلى الحق [تأريخ الثقات ٢/ ٢١٠]. والخبر أخرجه ابن عساكر من طريق العجلي هذا [تأريخ دمشق / ٣٢/ ٣٥]. وهذا الخبر يدل على نزاهة القاضي واستقلالية القضاء. وعلى أمر آخر هام فهو يدلّ على أن البيئة من حول الحاكم أو الخليفة كانت تأطره على =