قدم علينا أمير المؤمنين المَنْصُور المدينة ومُحَمَّد بن عمران الطلحي على قضائه، وأنا كاتبه فاستعدى الجمالون على أمير المؤمنين في شيء ذكروه، فأمرني أن أكتب إليه كتابًا بالحضور معهم، وإنصافهم فقلت تعفيني من هذا فإنه يعرف خطي، فقال: اكتب، فكتبت ثم ختمه فقال: لا يمضي به والله غيرك، فمضيت به إلى الربيع، وجعلت أعتذر إليه فقال لا عليك فدخل عليه بالكتاب، ثم خرج الربيع فقال للناس، وقد حضر وجوه أهل المدينة والأشراف وغيرهم: إن أمير المؤمنين يقرأ عليكم السلام ويقول لكم: إني قد دعيت إلى مجلس الحكم، فلا أعلمن أحدًا قام إلّي، إذا خرجت، أو تدانى بالسّلام، ثم خرج والمسيب بين يديه، والربيع، وأنا خلفه، وهو في إزار ورداء، فسلّم على الناس، فما قام إليه أحد ثم مضى حتى بدأ بالقبر، فسلّم على رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم التقت إلى الربيع فقال: يا ربيع ويحك أخشى إن رآني ابن عمران أن يدخل قلبه لي هيبة، فيتحول عن مجلسه، وبالله لئن فعل لا وليَ لي ولاية أبدًا. فلما رآه وكان متكئًا أطلق رداءه عن عاتقه ثم احتبى به، ودعا بالخصوم وبالجمالين، ثم دعا بأمير المؤمنين، ثم ادّعى عليه القومُ، فقضى لهم عليه، فلما دخل الدار قال للربيع: اذهب فإذا قام وخرج من عنده من الخصوم فادعه فقال: يا أمير المؤمنين ما دعا بك إلّا بعد أن فرغ من الناس جميعًا، فلما دخل عليه سلم، فقال: جزاك الله عن دينك وعن نبيك وعن حسبك وعن خليفتك أحسن الجزاء، قد أمرتُ لك بعشرة آلاف =