{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (١٥)} [الرحمن: ١٤، ١٥]. وقال سبحانه وتعالى: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (٢٧)} [الحجر: ٢٧]. وأخرج الإمام مسلم في صحيحه كتاب الزهد (٦٠/ ٢٩٩٦) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم". وقال الحق سبحانه في كتابه الكريم: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (٥٠)} [الكهف: ٥٠]. وأخرج الطبري في تفسيره (١٥/ ٢٦٠) عن الحسن البصري رحمه الله قال: (ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط ... الخبر). وقال الحافظ ابن كثير: رواه ابن جرير بسند صحيح (تفسير القرآن العظيم ٥/ ٢١٧٠). ٢ - وقال الحق سبحانه: {قَال أَرَأَيتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلا قَلِيلًا (٦٢) قَال اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيهِمْ بِخَيلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيطَانُ إلا غُرُورًا (٦٤) إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (٦٥)} [الإسراء: ٦٢ - ٦٥]. المعنى أن إبليس اللعين قال للرب جراءة وكفرًا: هذا الذي شرفته وعظمته عليّ لئن أخرتني (أنظرتني) لأحتنكن أي لأضلن ذريته إلا قليلًا منهم. ومعنى (اذهب): أي فقد أنظرتك كما في الآية الأخرى {قَال فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٨١)} ثم أوعده ومن تبعه من ذرية آدم جهنم فقال: {فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ} أي: علي أعمالكم {جَزَاءً مَوْفُورًا} أي: وافرًا لا ينقص منه، {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} كل داعٍ دعا إلى معصية الله عزَّ وجلَّ {وَاسْتَفْزِزْ} أي: استخفهم بذلك. {أَجْلِبْ عَلَيهِمْ بِخَيلِكَ وَرَجِلِكَ}: واحمل عليهم بجنودك خيالتهم ورَجِلَتهم فإن الرَّجِل جمع راجل ومعناه تسلط عليهم بكل ما تقدر عليه. ومنه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣)} أي: تزعجهم إلي المعاصي إزعاجًا وتسوقهم إليها سوقًا، وقال مجاهد: {بِخَيلِكَ وَرَجِلِكَ} كل راكب وماشٍ في معصية الله، وقال قتادة: إن له خيلًا ورجالًا من الجن والإنس وهم الذين يطيعونه. قلنا: وقريبًا من هذا المعنى تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ =