وصاحبتهم يومئذ - ريني - وقد ذكرنا قبل سبب الصلح الذي كان بين المسلمين وبينها - فعادت الروم على ريني فخلعتها - وملّكت عليها نقفور والروم تذكر أن نقفور هذا من أولاد جفنة من غسان وأنه قبل الملك كان يلي ديوان الخراج، ثم ماتت ريني بعد خمسة أشمهر من خلع الروم إياها؛ فذكر أن نقفور لما ملك واستوسقت له الروم بالطاعة، كتب إلى الرشيد:
من نقفور ملك الروم، إلى هارون ملك العرب؛ أما بعد؛ فإن الملكة التي قبلي، أقامتك مقام الرّخّ، وأقامت نفسها مقام البَيدق، فحملتْ إليك من أموالها ما كنت حقيقًا بحمل أمثالها إليها، لكن ذاك ضعف النساء وحمقهنّ؛ فإذا قرأت كتابي فاردُدْ ما حصل قِبَلك من أموالها، وافتدِ نفسك بما يقع به المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك.
قال: فلما قرأ الرّشيد الكتاب، استفزّه الغضب حتى لم يمكن أحدًا أن ينظر إليه دون أن يخاطبه، وتفرّق جلساؤه خوفًا من زيادة قول أو فعل يكون منهم، واستعجم الرأي على الوزير من أن يشير عليه أو يتركه يستبدّ برأيه دونَه، فدعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم. من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم؛ قد قرأت كتابك يا بن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه. والسلام.
ثم شخص من يومِه، وسار حتى أناخ بباب هِرَقْلَة، ففتح وغنِم، واصطفى وأفاد، وخرّب وحرّق، واصطلم. فطلب نقفور الموادعة على خراج يؤدّيه في كلّ سنة، فأجابه إلى ذلك، فلما رجع من غزوته، وصار بالرّقة نقض نقفور العهد، وخان الميثاق. وكان البرد شديدًا، فيئس نقفور من رَجْعته إليه، وجاء الخبر بارتداده عما أخذ عليه؛ فما تهيأ لأحد إخباره بذلك إشفاقًا عليه وعلى أنفسهم من الكرّة في مثل تلك الأيام، فاحتيل له بشاعر من أهل خُرّة يكنى أبا محمد عبد الله بن يوسف - ويقال: هو الحجاج بن يوسف التيميّ، فقال: