قلت: رحم الله قاضي القضاة أبا يوسف لم يخش في الله لومة لائم ولم يُخْفِ عن الخليفة ما وصل إلى سمعه من أخبار ظلم بعضهم للنّاس بعد أن بيّن حكم الشرع في عدم الإبقاء على المتهمين قيد الاعتقال دون مسوّغ ومبرر دون إحالتهم إلى القضاء فالمتهم في حكم الشرع بريء حتى تثبت إدانته. حال الأمة في العصر العباسي الأول (عصر القوهَ) مما لا شك فيه أن أمير المؤمنين هارون الرشيد كان نموذجًا من بين مئات النماذج من القادة والقضاة والولاة والعلماء والعامة المجاهدين الملتزمين والزهاد والعباد وكان الخليفة يلتقي بهم في طريق الحج أو بجوار الكعبة أو في السوق أو في مجلس حكمه أو يوليهم الولايات والقضاء والمناصب فيتعامل معهم فيراهم مثال الصدق والعدل والتقوى والشجاعة فكان الخليفة يزداد حرصًا على التمسك بتعاليم الإسلام - ومن قال بأن الخليفة كان متروكًا لمزاجه ورغباته فلم يصب بل مستشاروه وبطانته وحواريوه وسمّاره وقضاته وولاته والعلماء من حوله وبعيدًا عن مجلسه داخل مرافق المجتمع الإسلامي هم الذين شكلوا معًا جنبًا إلى جنب مع الخليفة - أمة وسطًا - قادت البشرية يومها إلى بَرّ الأمان وإليك أخي القارئ الكريم نماذج من المجتمع الإسلامي آنذاك ليتبيّن لك ذلك المستوى السامق الذي عاشه الناس يومها بعيدًا عن أراجيف المبطلين وكتب المغنين والوضاعين والمبتدعين والشعوبيين المتسترين بأقنعة مختلفة. أولًا: مثال الشاعر الزاهد في بلاط الخليفة: أخرج الحافظ ابن عساكر بسنده عن الأصمعي (صدوق) أنه دخل على الرشيد يومًا ... الخبر وكان على مائدة الرشيد من الطيبات من الطعام والشراب مما أحلّه الله مما لذّ وطاب ثم استدعى الرشيد أبا العتاهية (الشاعر الزاهد المعروف) وطلب منه أن يصور تلك المائدة المزينة وتلك اللحظة الهنيّة بأبيات شعر فيا ترى ماذا كان قصيده وشعره =