إليك أخي القارئ الكريم الأبيات التي قالها أبو العتاهية في ذلك الموقف. قال أبو العتاهية: عش ما بدا لك سالمًا ... في ظل شاهقة القصور يُسعى عليك بما اشتهيت ... لدى الرواح وفي البكور فإذا النفوس تقعقعت ... في ضيق حشرجة الصدور فهناك تعلم موقنًا ... ما كنت إلّا في غرور فبكى الرشيد بكاءً شديدًا فقال الفضل بن يحيى: دَعاكَ أمير المؤمنين لِتُسِرَّه فأحزنته، فقال الرشيدت دَعْهُ فإنه رآنا في عمًى فكره أن يزيدنا عمىً [مختصر ابن عساكر ٢٧/ ٢١]. ثانيًا: مثال العابد العالم وهو ينصح الخليفة ويذكره بعظم مسؤوليته. أخرج الخطيب البغدادي عن عبيد الله بن عمر القواريري قال لمّا لقي هارون الرشيد فضيل بن عياض قال له الفضيل يا حسن الوجه أنت المسؤول عن هذه الأمة [تأريخ بغداد / ١٤/ ٨]. ثالثًا: مثال القاضي النزيه: أخرج الخطيب البغدادي من طريق عبد الرحمن بن عبد الله عن عمّه عبد الملك بن قريب الأصمعي أنه قال كنت عند الرشيد يومًا فَرُفِعَ إليه في قاضٍ كان قد استقضاه يقال له عافية، فكبر عليه فأمر بإحضاره فأُحضر وكان في المجلس جمع كثير، فجعل أمير المؤمنين يخاطبه ويوقفه على ما رفع إليه وطال المجلس ثم إن أمير المؤمنين عطس فشمته من كان بالحضرة ممن قرب منه سواه (أي سوى عافية) فإنه لم يشمته، فقال له الرشيد ما بالك لم تشمتني كما فعل القوم؟ فقال له عافية لأنك يا أمير المؤمنين لم تحمد الله .... الخبر فقال له الرشيد ارجع إلى عملك، أنت لم تسامح في عطسة تسامح في غيرها؟ وصرفه منصرفًا جميلًا وزير القوم الذين كانوا رفعوا عليه) تأريخ بغداد / ١٢/ ٣٠٦) قلت وابن أخي الأصمعي [عبد الرحمن بن عبد الله] ذكره ابن حبان في الثقات (٨/ ٣٨١) وعمه الأصمعي صدوق كما سبق. =