فيها الأنهار، ويغرسوا فيها الشجر، ويبنوا فيها البنيان. وأما الدنيا فإنه لو أنتج رجل مهرًا لم يركبه من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى يوم ينفخ في الصور.
فقال حذيفة بن اليمان: أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله! فكيف هم عند النفخ في الصور! فقال: يا حذيفة! والذي نفس محمد بيده، لتقومنّ الساعة ولينفخنّ في الصور والرجل قد لَطّ حوضه فلا يسقي منه، ولتقومنّ الساعة والثوب بين الرجلين فلا يطويانه، ولا يتبايعانه. ولَتقومنّ الساعة والرجلُ قد رفع لقمته إلى فيه فلا يَطْعَمها، ولتقومن الساعةُ والرجل قد انصرف بلبن لِقحته من تحتها فلا يشربه، ثم تلا رسول الله هذه الآية:{وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}.
فإذا نُفِخ في الصور، وقامت الساعة، وميز الله بين أهل الجنة وأهل النار ولما يدخلوهما بعد، إذْ يدعو الله عزّ وجلّ بالشمس والقمر، فيجاء بهما أسودين مكوّرين قد وقعا في زلزال وبلبال، تُرعَد فرائصهما من هول ذلك اليوم ومخافة الرحمن، حتى إذا كانا حيال العرش خرّا لله ساجدين؛ فيقولان: إلهنا قد علمت طاعتنا ودُؤوبنا في عبادتك، وسرعتَنا للمضيّ في أمرك أيام الدنيا، فلا تُعذبنا بعبادة المشركين إيانا، فإنا لم ندعُ إلى عبادتنا، ولم نذهَلْ عن عبادتك! قال: فيقول الرب تبارك وتعالى: صدقتما، وإني قضيت على نفسي أن أبدئ وأعيد، وإني معيدكما فيما بدأتكما منه، فارجعا إلى ما خلقتما منه، قالا: إلهنا، ومِم خلقتنا؟ قال: خلقتكما من نور عرشي، فارجعا إليه. قال: فيلتمع من كلّ واحد منهما برقة تكاد تَخْطَف الأبصار نورًا، فتختلط بنور العرش، فذلك قوله عزّ وجلّ:{يُبْدِئُ وَيُعِيدُ}.
قال عكرمة: فقمت مع النفر الذين حَدّثوا به، حتى أتينا كعبًا فأخبرناه بما كان من وجْد ابن عباس من حديثه، وبما حدث عن رسول الله؛ فقام كعب معنا حتى أتينا ابن عباس، فقال: قد بلغني ما كان من وجدك من حديثي، وأستغفر الله وأتوب إليه، وإني إنما حدّثت عن كتاب دارسٍ قد تداولته الأيدي، ولا أدري ما كان فيه من تبديل اليهود، وإنك حدثت عن كتاب جديد حديث العهد بالرّحمن عَزَّ وجلّ وعن سيد الأنبياء وخير النبيين، فأنا أحبّ أن تحدِّثني الحديث فأحفظه عنك، فإذا حدثت به كان مكان حديثي الأول.
قال عكرمة: فأعاد عليه ابن عباس الحديث، وأنا أستقريه في قلبي بابًا بابًا،