طبقة من تلك الطبقات بلزوم العمل الذي ألزمها إياه. ومن سنة مئة وخمسين إلى سنة خمسين ومئتين حاربَ الشياطين والجنَّ وأثخنهم وأذلّهم وسُخِّروا له وانقادوا لأمره. ومن سنة خمسين ومئتين إلى سنة ست عشرة وثلاثمئة وكَّلَ الشياطين بقطع الحجارة والصخور من الجبال، وعملِ الرخام والجصّ والكَلْس والبناء بذلك، بالطين البنيان والحمامات، وصنعة النُّورة، والنّقْل من البحار والجبال والمعادن والفلوات كلّ ما ينتفع به الناس، والذهب والفضة وسائر ما يذاب من الجواهر، وأنواع الطيب والأدوية فنفذوا في كلّ ذلك لأمره. ثم أمر فصُنِعت له عَجَلة من زجاج، فصفّد فيها الشياطين وركبها، وأقبل عليها في الهواء من بلده، من دَنْبَاوند إلى بابل في يوم واحد، وذلك يوم هرمزأز فروردين ماه، فاتخذ الناس للأعجوبة التي رأوا من إجرائه ما أجرى على تلك الحال نوروز؛ وأمرهم باتخاذ ذلك اليوم وخمسة أيام بعده عيدًا، والتنعم والتلذذ فيها، وكتب إلى الناس اليوم السادس، وهو خُرداذروز يخبرهم: أنه قد سار فيهم بسيرة ارتضاها الله، فكان من جزائه إياه عليها أن جنَّبهم الحرَّ والبردَ والأسقام والهرَم والحسد، فمكث الناس ثلاثمئة سنة بعد الثلاثمئة والست عشرة سنة التي خلت من مُلْكه، لا يصيبهم شيء مما ذكر أن اللهَ جَلّ وعزّ جنّبهم إياه.
ثم إن جمَّ بَطَر بعد ذلك نعمة الله عنده، وجمع الإنس والجن، فأخبرهم أنه وليُّهم ومالكهم والدافع بقوته عنهم الأسقام والهرم والموت، وجَحَد إحسان الله عزّ وجلّ إليه، وتمادى في غيّه فلم يُحِرْ أحد ممن حضره له جوابًا، وفقد مكانه بهاءه وعزّه، وتخلّت عنه الملائكة الذين كان الله أمرهم بسياسة أمره، فأحسّ بذلك بِيوراسب الذي يسمى الضحاك فابتدر إلى جَم لينتهسه فهرب منه، ثم ظفر به بيوراسب بعد ذلك، فامتلخ أمعاءه واسترطها، ونشره بمنشار.
وقال بعض علماء الفرس: إن جمَّ لم يزل محمودَ السيرة إلى أن بقيَ من ملكه مئة سنة فخلّط حينئذ، وادّعى الربوبية، فلما فعل ذلك اضطرب عليه أمره، ووثب عليه أخوه اسفتور وطلبه ليقتله، فتوارى عنه، وكان في تواريه ملكًا ينتقل من موضع إلى موضع، ثم خرج عليه بيوراسب فغلَبه على ملكه، ونشره بالمنشار.