بكر وهو بظاهر مكة خارجًا من الحرم، فأنزلهم وأكرمهم، وكانوا أخواله وصهره. وكانت هزيلة بنت بكر أختَ معاوية بن بكر لأبيه وأمه كلهدة بنت الخيبري عند لُفَيم [بن هزّال بن عُتَيل بن صد بن عاد الأكبر]، فولدت له عبيد بن لُقَيم بن هزال وعمرو بن لُقيم بن هزّال وعامر بن لُقَيم بن هزّال وعُمَير بن لقيم بن هزال، فكانوا في أخوالهم بمكة عند آل معاوية بن بكر، وهم عاد الأخيرة التي بقيَت من عاد الأولى. فلما نزل وفد عاب على معاوية بن بكر أقاموا عنده شهرًا يشربون الخمر، وتغنّيهم الجرادتان -قينتان لمعاوية بن بكر- وكان مسيرُهم شهرًا، ومقامهم شهرًا، فلما رأى معاوية بن بكر طولَ مقامهم، وقدْ بعثهم قومُهم يتغوَّثون بهم من البلاء الذي أصابهم، شقَّ ذلك عليه فقال: هلك أخوالي وأصهاري وهؤلاء مقيمون عندي، وهم ضيفي نازلون عليّ، والله ما أدري: كيف أصنع بهم! أستحي أن آمرَهم بالخروج إلى ما بُعثوا إليه، فيظنُّوا أنه ضيقٌ مني بمقامهم عندي، وقد هلك مَنْ وراءهم من قومهم جهدًا وعطشًا، أو كما قال:
فشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه الجرادتين، فقالتا: قل شعرًا نغنّيهم به لا يدرون مَنْ قاله، لعلّ ذلك أن يحرّكهم! فقال معاوية بن بكر حين أشارتا عليه بذلك:
ألا يا قيلُ، وَيْحَك قم فَهَينِمْ ... لعلّ الله يَسْقِينَا غَمَامَا
فيسقِي أرضَ عادٍ، إنَّ عادًا ... قد أمسوا لا يُبِينُون الكَلاما
من العطشِ الشَّديد، فليس نرجو ... به الشيخَ الكبيرَ ولا الغلاما
وقَدْ كانتْ نساؤُهُمُ بخيرٍ ... فقد أمستْ نِساؤُهُمُ عَيَامَى
وإنّ الوحشَ تأتيهمْ جهارًا ... ولا تخشَى لعادِي سِهاما
وأنتم ها هنا فيما اشْتَهَيتُمْ ... نهارَكُمُ وليلَكمُ التَماما
فقبِّح وفدكُمْ من وَفْدِ قومٍ ... ولا لُقُّوا التحيَّة والسلاما!
فلما قال معاوية ذلك الشعر، غنّتهم به الجرادتان. فلما سمع القوم ما غنَّتا به، قال بعضهم لبعض: يا قوم إنما بعثكم قومُكم يتغوَّثون بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم، وقد أبطأتمْ عليهم، فادخلُوا هذا الحرم فاستسقوا لقومكم، فقال مَرْثَد بن سعد بن عُفَير: إنكم والله لا تُسْقَوْن بدعائكم؛ ولكنْ إن أطعتم